للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سحرة فرعون]

لابد أن نعلم أن السحرة الذين وحدوا الله وآمنوا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كيف كان توحيدهم؟ وكيف كان إيمانهم؟ لما ألقوا حبالهم وعصيهم فألقى موسى عليه السلام عصاه {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:١١٧ - ١١٨].

فما كان منهم لما أن رأوا الآيات البينات الباهرات التي لا يمكن إلا أن يذعن لها القلب ويستسلم لها إلا أن {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَموسى} [طه:٧٠]، آمنوا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فأجابهم الطاغوت بالتهديد -فرعون-: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى} [طه:٧١].

فأخذ يتوعدهم ويهددهم كما ورد في آيات كثيرة من كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فماذا قال السحرة؟ وانظروا إلى حقيقة التوحيد من أول لحظة: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:٧٢ - ٧٣].

فهذا هو التوحيد، وهذه هي حقيقته، فهناك القتل وهناك الصلب، من جبار طاغوت يملك ذلك، ويتوعد عليه، وأول الأمر كانوا يقولون له: {أَإِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشعراء:٤١ - ٤٢] إن انتصرتم على موسى فلكم الأجر ولكم الجوائز وإنكم من المقربين، ثم لحظات وإذا به يقول: أقتل وأفعل وأفعل، وهم يقولون: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه:٧٢] فهو لن يخوفنا أبداً؛ فمن عرف حقيقة الإيمان وحقيقة التوحيد، فلا يخاف إلا الله عز وجل ولا يبالي في دينه {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه:٧٢].

فكانت نهاية فرعون الغرق، ومنذ أن وضع رجله في البحر انتهى فرعون {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه:٧٢] فإنك إن ملكت الجسد لتقطعه فممكن، لكن هل تملك القلب؟ وهل تملك الإيمان؟ وهل تملك أن تنتزع التوحيد؟ لا، فهذه قلوبنا قد وجدت الله، وآمنت، وتعلقت بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي سوف يطهرها ويغفر لها الخطأ الذي كنت تكرهها عليه من السحر، ومما حرم الله تبارك وتعالى.

فخوفهم من عذاب الآخرة، جعلهم ينسون عذاب فرعون وصلبه وأمره كله {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه:٧٢].