للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوازن في التخصصات الإسلامية]

السؤال

ذكرت يا شيخنا أن هناك شباباً يصلحون للدعوة ولا يصلحون للجهاد، وآخرون يصلحون للجهاد ولا يصلحون لطلب العلم، فكيف يمكن للإنسان أن يوازن بين تلك الأمور كلها ليكون شخصاً مسلماً متكاملاً؟

الجواب

قلنا: إن الأصل هو التكامل، وهو الذي نسعى إلى تحقيقه؛ ولكن:

إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع

فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خلق النفوس وأعطاها إمكانيات، فـ خالد بن الوليد رضي الله عنه أُعطي السيف، فهو سيف الله، فكان مجاهداً بينما أعطي معاذ رضي الله عنه العلم، وأعطي أبي بن كعب رضي الله عنه القراءة، وأعطي عمر رضي الله عنه القوة في الحق، وهكذا كل واحد من الصحابة، وهم النموذج الأسمى لنا، وكل منهم يسر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له شيئاً، وكل ميسر لما خلق له، وأعطي له ذلك حتى تتكامل هذه الجهود.

ونحن نحاول أن تتكامل هذه الصفات في الإنسان، فإن لم تتكامل فيه، تكاملت في الأمة ما استطعنا، ولو أن هذه الجهود تكاملت وتعاونت، واجتمعت على الحق وعلى الكتاب والسنة والدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لوجدنا أن كل طاقة تفيد، وأن كل خبرة تنفع، وأن كل اختصاص يوضع في محله، ولكن جاء التنافر، وجاء الاختلاف من أنفسنا نحن، وليس ناتجاً من جهة ما جعله الله من خصائص وما أودعه من طاقات، لا! فهذه فطرة وسنة جعلها الله تعالى كذلك، وليست هي السبب في الحقيقة، بل السبب يعود إلينا نحن في أن الإنسان يأخذ جانباً من الحق ويغفل عن الجانب الآخر، مثلهم كمثل العميان مع الفيل، وكثير من الشباب المسلم اليوم ينطبق عليهم هذا المثل.

وذلك أن واحداً أمسك بأذن الفيل، فقال: هذا جلد، والثاني أمسك برجله، فقال: هذا جذع شجرة، والثالث أمسك الخرطوم، فقال: هذا أنبوبة، وكل واحد وصف الفيل بحسب ما لاحظه؛ لكن لو رأوا الفيل كله، لكان وصفهم له واضحاً.

فهذا المثال الساذج يكاد ينطبق على واقع الشباب، فالذي ينشغل بالجهاد -مثلاً- ينكر على المشتغل بالعلم، والمنشغل بالعلم ينكر على المشتغل بالدعوة وهكذا، مع أن كلنا على حظ وخير، وإن اجتمعت هذه الصفات في شخص لكان خيراً عظيماً.

فالصحابة رضي الله عنهم جمعت فيهم على الأقل هذه الصفات الثلاث، وهكذا كان الإمام أحمد رضي الله عنه، وكذا شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، وهكذا العلماء الذي أقاموا هذا الدين وأسسوه، وهذه الخلال والصفات ليست متضادة ومتناقضة، لكننا نحن بأخطائنا في الدعوة نناقض بينها.