للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيف يتعامل الداعية مع المسائل الخلافية]

السؤال

ما هي الخطوات التي يتبعها الداعية المهتدي الذي لم يتمكن من معرفة الخلاف المذهبي بين الناس في قضية دعوتهم، ما هو موقفه أمام المسائل الخلافية؟

الجواب

لا يصح لنا أن نعود الشاب من أول أمره على أن المسألة فيها قولان، خاصة العامة، فلا ينبغي أن نبدأ: هذه المسألة فيها خلاف، وهذه فيها خلاف، وبذلك نكون قد شتتنا الناس! وفي المقابل يقول البعض: أنا لا أريد أقرأ عليهم بكتاب فقه معين فأوقعهم في التقليد، إذا كان التقليد خطأ -وهو خطأ طبعاً- فأيضاً هذا الضياع خطأ، وقد تفر من تقليد إنسان أو عالم، فتقع في تقليد من لا يستحق أن يقلد.

فهنا تأتي الحكمة، فإن هناك أساسيات يجب أن تعرض بدون خلاف، وهناك أمور قد عرف الخلاف فيها، فيعرج عليه على أنه يوجد ولكنه مرجوح، ويفصل في أدلة القول الراجح ولا يفصل في الآخر؛ لأن القلوب قد يعلق بها شيء من أدلة المرجوح أحياناً، هذا في الناحية التربوية، ولا نعني الناحية العلمية مثل البحث العلمي؛ لكن نحن نتكلم في نواحي التطبيق والتربية، بعد ذلك إذا اطمأننت إلى مستواه العلمي، تقول له: هذه المسألة فيها كذا، وهذه المسألة فيها كذا.

ولذلك لماذا نجد التسرع عند طلبة العلم فنرى أحدهم يقول: إن هذا القول خطأ؛ لأن هناك حديثاً ضده، فلا يصبر مع أنه لم يعرف الأحاديث الأخرى، ولا ماعند المخالف، وهذا التسرع أخذه الطالب ممن علمه.

فأقول: منهج طلب العلم مضبوط، فالذي يقول لا نقبل هذا الكلام، ولا نقبل المذاهب، ولا نقلد، ولا ندعو إلى التقليد فهذا حق ولكن لا يقوله كل أحد، قال الشافعي: 'إذا رأيتم قولي مخالف لقول الله وقول رسول الله فاضربوا به عرض الحائط'.

إذاً المسألة مسألة اتباع، لكن كيف تنفذ؟ كيف تعلن؟ الحمد لله في هذا البلد أنعم الله علينا بنعمة عظيمة، واسألوا كيف حال البلاد التي علماؤها مداهنون مفرقون كلٌ على طريقة أما نحن أنعم الله علينا -والحمد لله- أن علماءنا فتاواهم وعملهم ومنهجهم بفضل الله عز وجل على منهج السلف الصالح.

ولذلك فإنه يقال: هذه فتوى من الشيخ عبد العزيز، هذه فتوى من اللجنة الدائمة، فإنها تقابل بالاحترام والقبول، ألا ترون أن الواحد منا إذا أخذ فتوى اللجنة الدائمة في تحريم الغناء الذي يظهر في التلفزيون والإذاعة، هي ورقة واحدة إذا قرئت على الناس، أو علقت في مسجد، أثر على الناس التأثير العظيم.

لكن لو قلت: هذه الفتوى فيها قولان، وأنا أقول كذا وكذا، نعم هذا صحيح، ولكن حتى لو ألفت مجلداً، فهل ستؤدي هذه الفتوى نفس التأثير التي تؤديه الفتوى الصادرة من اللجنة الدائمة؟ وإذا قلت هذه فتوى الشيخ ابن عثيمين في المجلات وزعها أو اطبعها، أو علقها على المسجد، فإنك تسمع الناس يقولون هذه فتوى الشيخ ابن عثيمين، فلا يناقشون، هكذا تعلم الناس أن يحترموا العلماء.

لكن ثقوا بأن من لم يسلك هذا المنهج، أو ربى الشباب على عدم احترام العلم والعلماء، فأول من يجني الثمرة هو من دعاهم إلى ذلك.

إن المنهج العلمي منضبط، والسلف الصالح هؤلاء بين أيدينا، واقرءوا سيرة السلف الصالح، هل تجدون رجلاً منهم تعلم الحديث والرجال في خلال شهرين ثم أخذ يصحح ويضعف؟ لكن هذا الشيء واقع اليوم في حياتنا، وهو عجيب جداً، ويدل على خلل كبير جداً نعاني منه.

وأُذكِّرُ بالقضية الأساسية، ألا وهي قضية هذا الشاب الذي اهتدى، وعرف الحق، وبدأ يقرأ كتب العلم، كيف يستقيم على الهداية، وكيف يستمر ويواصل الدرب في سبيل الدعوة، فهذه هي المسئولية ولا نُعفى إن تخلينا عنها.