[الرجوع إلى الله وقول الحق]
هناك أمور يجب أن تكون نصب أعيينا ونحن نتحدث عن هذه المشكلة، وعن هذه الأزمة الخطيرة، وهي: أن ما أُصِبنَا به وما خطط له الأعداء، وما جاءوا به؛ فإنما هو بسبب ذنوبنا، وتفريطنا في أخذ العدة والاستعداد لمواجهة أعداء الله وأخطارهم، أي: لأننا عصينا الله وخالفنا أمره، كما قال أبو الدرداء لما بكى -رضي الله عنه- عندما رأى أسرى قبرص فقال: 'ما أهون الخلق على الله إذا خالفوا أمره' فبينما هم ملوك في بلادهم، إذا هم أسارى في أيدي المسلمين.
إن ما حل بنا يجب أن نفكر جدياً في أسبابه، ثم نتخذ الحلول ولا بأس أن نتخذ وجهة نظر واحدة والكل يعرفها، وكلنا -إن شاء الله- متفقون على أكثرها، وهي: أولاً: يجب علينا أن نعيد النظر في حياتنا جميعاً، ولا أعني الأوضاع العامة، بل حتى في أوضاعنا الخاصة؛ فكلٌ منا ينظر في خاصة نفسه، كيف ذنوبي؟ وكيف أعمالي؟ وكيف علاقتي وصلتي بالله عز وجل؟ ولماذا سُلِّطُ علينا أعداؤنا؟ فكل منا يفتش عن نفسه، لأن من مصائبنا -مع الأسف- أن الذنوب والمعاصي تقع، ولكن سرعان ما تعلق بمشجب معين، فيقال مثلاً: التقصير من الحكومة، أو من الشعب، أو من العلماء، أو من الفرقة الفلانية، لأنها ما أخذت موقعها.
ودائماً نحن في جميع أمورنا نحاول أن نجد مشجباً فنعلق عليه كل الأخطاء، وهذا غير صحيح، فمن سنة الله تبارك وتعالى أن كل واحد منا مسئول عن ذنوبه، ويلحقه شيء من هذه المصائب، ويعفو الله تعالى عن كثير، كما ذكر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذلك بقوله: {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [المائدة:١٥] فنحن بضعفنا وبأعمالنا استجلبنا ذلك.
ما الذي غيَّر فينا دخول هذا الهجوم البعثي؟ ثم ما تلاه من تكالب صليبي؟ ما الذي غيرّ فينا، وما الذي جعلنا لا نرجع إلى الله تعالى ولا نرجع إلى ديننا كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالأمر والحال كما ترون.
فكل تبرج أو فسق أو استهتار في الأسواق أو في المجلات الداعرة أو في الكتب أو في الشعر الماجن أو في الأغاني الخليعة أو في محلات بيع الفيديو أو وسائل الإعلام نفسها، كل ذلك لا يزال كما كان ولم يتغير.
فأي بنك ربوي أغلق بعد أن جاء الهجوم؟ وإنما قلنا: يجب أن نرجع إلى الله، لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:٢٧٩]، فنحن نحارب الله أم نحارب هؤلاء.
لم يقع شيءٌ من ذلك؛ بل إننا نحاول أن ندعم هذه البنوك؛ لأن الناس بدأوا يسحبون الأرصدة منها، فيجب أن ندعمها لكي لا تتأثر.
فنحن بهذا قد تشبهنا بالكفار في حياتنا وسلوكنا ومعاملاتنا، فهل تغير هذا؟ وهل قلنا: كيف نتشبه بأعدائنا في الشعارات التي كنا نرددها مثل الأمة العربية، والقومية العربية، والواجب العربي، وما أشبه ذلك، هل تركنا ذلك؟ وهل نسخناه من صحافتنا التي كانت قبيل فترة تقول: الحملة الظالمة على العراق فكانت الصحافة الغربية تذكر شنائع حزب البعث وأنه دَّمر المسلمين والأكراد وأحرقهم بالغاز السام؟ فتقوم الصحافة العربية كلها وتقول: هذه حملة ظالمة على العراق يشنها الغرب، ونحن نعلم أن الأمر كذلك، والآن اعترفنا بأنه كذلك؛ فلابد أن نلغي هذه الشعارات؛ لأننا أمة الإسلام أمةٌ واحدة كالجسد الواحد، فلا نؤمن بمبادئ القومية، ولا الوطنية، بل كلها عصبية جاهلية وضعها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت قدميه.
فنحن لا نحب إلا في الله ولا نبغض إلا في الله، ولا نوالي إلا في الله، ولا نعادي إلا لله؛ وإن أعطينا فلله وإن منعنا فلله، فهذا هو الواجب الذي ينبغي أن تكون عليه حياتنا وسياستنا وخططنا، فيذكر به بعضنا بعضاً إذا غفلنا؛ أما أن نستمر في هذه الشعارات، وفي قرارات وأمور اتخذناها، فكان من شأنها الحد من الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أو الحد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذا والله هو الوقت المناسب للسماح للدعاة إلى الله بأن ينطلقوا لأداء واجبهم، فنحن الآن أحوج ما نكون إلى دعاة يصدعون بكلمة الحق؛ لأن أعداءنا -من غربيين وبعثيين وغيرهم- إذا رأوا أن في الأمة من يصدع بهذا فإنهم يخافون منا، ولا مانع من أن نظهر -إن كان على سبيل الإظهار- في وجه الأعداء بأننا طائفتين: طائفة تسكت، ولكن هناك طائفة تنكر؛ فنكسب الموقف بالاختلاف بين هاتين الطائفتين مثل ما يفعلون بنا إذا كان على سبيل التخطيط.
فالأمريكان إذا طلبوا من الإدارة الأمريكية شيئاً اعتذرت بأن الكونجرس يرفض.
لماذا؟ نحن لا نقول: إن العلماء والدعاة يرفضون، ولكن لماذا لا يكون لنا نفس الشيء؟ فنكسب مصالح لأمتنا قبل أن تأتي الطامة الكبرى التي لا علاج بعدها نسأل الله العفو والعافية.
فأقول: إننا لم نغير في هذا الواقع أي شيء، فمدارس تحفيظ القرآن وغيرها من المدارس -مثلاً- كيف رضينا أن تتقلص أعدادها إلى هذا الحد وبالمقابل يتم فتح ثانويات وكليات كثيرة جداً ومعاهد متنوعة؟! لماذا التقليص فقط لمدارس تحفيظ القرآن؟! المدارس التي كانت نور ومشعل للهداية، فلابد أن نُعيد النظر -أيضاً- في هذه الأمور، ثم لابد أن نعيد النظر في علاقاتنا، وفي صداقاتنا؛ ماذا أجدت بنا هذه الصداقات، فكل دولة وقفت ضدنا أو تحفظت على قرارات نرى أنها من صالحنا؛ فهي دولة أعطيناها أبلغ العطاء، فـ العراق نفسه أعطيناه أبلغ العطاء.
ومما يدل على هذا الأمر قول الرئيس المصري: بأن العراق كان يريد أن يقدم له رشوة قبل سنتين.
إذاً فالأمر كان مخططاً لاحتلال الكويت برشوة قدرها (٢٥ مليار دولار) فَمِنْ أين كان سيدفعها صدام؟! إذاً يجب أن نعيد النظر فيما نعطي وفيما نمنع، وأن نتقي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ذلك.