هنا نقف أيضاً ونتذكر شيئاً آخر: في هذه المرحلة -وهي مرحلة الحرب العالمية الثانية- كانت أمريكا قد برزت وأخذت تتسلم قيادة العالم الغربي، ومن ثم ورثت الاستعمار الغربي بكل ضروبه وأنواعه، ونجد الرئيس روزفلت، وتعلمون أن أول رئيس تمكن اليهود من السيطرة عليه بشكل واضح جداً هو ترومان، ثم بعده روزفلت، وكانت زوجة روزفلت من أعظم المهتمات بشئون ما يسمى تحرير المرأة، وتبنت زوجته الحركة، وأخذت تنفق عليها، وأقامت علاقات مع درية شفيق وأمثالها، ومع حزب بنت النيل، هذا الحزب النسائي، وتأسست أحزاب أخرى تسمى الأحزاب النسائية، وكان غرضها المطالبة بحقوق المرأة حتى طالبوا بمساواتها في الميراث، وطالبوا بخلع الحجاب، وطالبن بالتحلل الكامل من كل أحكام الشريعة الإسلامية.
وهنا يشاء الله سبحانه وتعالى وهو الذي تكفل وتعهد بنصر دينه ولو كره الكافرون، وبأن يخزي أعداءه في الدنيا والآخرة، وبأن ينصر الذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد: أنه حصل خلافات سياسية بين الأحزاب أدت إلى كشف الأوراق على حقيقتها، وإذا بحزب بنت النيل يفضح على رءوس الملأ وفي الصحف، ويكشف أن السفارتين الإنجليزية والأمريكية هما اللتان تمولان هذا الحزب والأحزاب الأخرى، وأن الذين بنوا لهم مقراً من الأثرياء الأمريكان، وبعضهم من اليهود، وأن اللاتي شاركن فيه هن متآمرات متواطئات مع الاستعمار ومع أهدافه وخدمته.
وما أن انكشف ذلك حتى أيقظ الله تعالى من كتبت لها الهداية واليقظة، وأحس الناس بخطر الأمر وارتفعت الأقلام من جديد بالمطالبة بالقضاء على هذه الحركة الخبيثة اللئيمة قبل أن تستشري عدواها، هذا على المستوى الفكري.
أما على المستوى العملي: فأنشئت أول دار للسينما، وأنشئت مراكز أيضاً بما يسمى الترفيه والرقص، وكانت النساء اللاتي يشاركن فيه يهوديات وقبطيات، وبعض المسلمات اللاتي تعمد إدخالهن، وعد ذلك من تحرر المرأة ومن نهضتها وتقدمها كما يقال.
ثم بعد ذلك لما قام ما يسمى بالثورة قامت وتحولت مصر دولة اشتراكية -كما هو الحال في كثير من دول العالم الإسلامي- أخذ الأمر بعداً أعظم من ذلك، وأصبحت المسألة مسألة حرب سافرة على الإسلام والمسلمين، حتى خلت الجامعة من كل محجبة، وفرضت على المرأة المسلمة شاءت أم أبت أن تكون أوروبية غربيةً بمعنى الكلمة، وكبت صوت الحق وقد كان يقاوم هذه الصرخات والدعوات.
ولا يخفى عليكم ماذا نتج بعد ذلك، وماذا حصل أيضاً بعد الهزيمة المنكرة التي حلت بأولئك المجرمين في عام (١٩٦٧م) وذلك عندما قامت دعوات من جديد، ورجعة في صفوف الشباب إلى الدين، وعاد الحجاب من جديد إلى الجامعة، وأصبح هذه المرة الدعوة إلى الحجاب دعوةً إسلاميةً سلفية، تقوم على التمسك بالحجاب؛ لأنه من عند الله، لا لمجرد أنه من العادات.
وهنا تعالى الصراخ وما يزال إلى اليوم يتعالى، وتحدث الدكتور زكي نجيب محمود يقول: ما هذه الردة -سماها ردة -التي وقعت فيها المرأة في مصر بعد أن تحررت وانطلقت ترتد الآن للحجاب، وكتبت أمينة السعيد عدة كتابات، وكتباً كثيرة، وما تزال الصحف ووسائل الأعلام التي يملكها هؤلاء تكتب الآن عن هذه الظاهرة، والعجيب أن يقع في فخاخ ذلك أيضاً دعاة أو كتاب ومفكرون يقولون: كيف تتحجب المرأة؟ كيف تغطي وجهها؟ كيف ترجع إلى ما كانت عليه من عادات فارسية وتركية ليست من الدين في شيء؟ واتسع نطاق المؤامرة، ولا يهمنا بعد ذلك العرض التاريخي الذي لا يخفى على أحد منكم، وإنما نقول: هذا هو المسلسل أو المخطط العام لهذه المشاهد والفصول لهذه القضية المهمة.
وبعد ذلك نقول: ماذا يريد هؤلاء؟ وماذا حققوا للمرأة؟ وماذا يجب علينا إزاء هذه الدعاوى الخطيرة؟