وتأتي البدعة البدعة في المرتبة الثانية بالنسبة إلى أعظم المحرمات، فاتباع البدع هو في الدرجة الثانية بعد الكفر وقبل الكبائر العملية، والكبائر الاعتقادية العلمية هي أشد وأعظم جرماً من الكبائر العملية، كالزنى أو السرقة أو شرب الخمر، ولهذا نهانا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن اتباع الهوى، وأمرنا كما قال تبارك وتعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام:١٥٣].
والعبد المؤمن يقول في كل ركعة:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}[الفاتحة:٦ - ٧] فبعد أن وحدنا الله -تبارك وتعالى- وأفردناه بالربوبية والألوهية وآمنا به وحده {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:٥] نطلبه وندعوه أن يثبتنا على الصراط المستقيم، وهو السنة، وما ورد فيه من أقوالٍ أخرى فهي لا تخرج عن ذلك، فالقرآن، أو السنة، أو طريق الشيخين، أو طريق الصحابة؛ المقصود بها كلها كلمة السنة بمعناها العام، التي تعني هدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل شأن وفي كل أمر ابتداءً من التوحيد، وانتهاءً بأقل درجات المندوبات بل المباحات.
فالاتباع يكون لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة} ولهذا أوصى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بها، وأوصى بها رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:١٠٣].
وهذه وإن كانت تشمل كل أنواع التفرق، إلا أن أعظم وأشد أنواع التفرق جرماً هو التفرق في الدين، وهذا ما حذَّرنا الله -تبارك وتعالى- منه حتى لا نشابه المشركين الذين قال عنهم:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء}[الأنعام:١٥٩] فالأمم قبلنا جميعاً، من اليهود والنصارى وغيرهم قد وقعوا في الشرك جميعاً، وفرقوا دينهم، وكانوا شيعاً، أما نحن فأمرنا باتباع سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي أوصى ووعظ بها صلوات الله وسلامه عليه، ونهى عن البدع والمحدثات، وقال:{عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار}.