[بناء الهمة العالية في نفوس شباب الصحوة]
ومن هنا يجب أن تكون الهمة العالية في طلب العلم، وأن تكون الهمة العالية في بناء الإيمان في القلب، ثم في نقله وتحويله إلى الناس في واقع منضبط يأتمر بأمر الله تعالى، لا نريد الإيمان الذي يتحول إلى حركات وارتجالات وانفعالات فقط، إنما نريد من الشباب المؤمن أن يزداد إيماناً، حتى تنضبط هذه العاطفة على الإيمان، وتصبح تأتمر وتنتهي بأمر الله وبأمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تكون كما كان قلب الصديق رضي الله عنه في يوم الحديبية، عندما قال عمر رضي الله عنه: {يا رسول الله ألسنا مؤمنين؟ ألسنا على الحق؟ فعلام نعطيهم الدنية في ديننا؟ قال له الصديق: لا يا عمر، إنه رسول الله} والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: {إنني رسول الله ولن يضيعني الله}.
هكذا التسليم لأمر الله، ولأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهما كانت العاطفة تجيش، ونظن أن هذا الحماس لمصلحة الحق والدعوة، لكن الكل يضبط بضابط محكم، وهو الاتباع لسنة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولذلك تجد كثيراً من الإخوة لديهم غلو في طلب العلم، وغلو في تطبيق بعض الأمور، وغلو في الدعوة، وفي تعجل النتائج الخ، والطائفة الأخرى لديها من التثاقل ومن التثبيط، ومن عدم التجاوب ما يميت، فيكسل بعض الدعاة، فلا شعور ولا إحساس يمكن أن يحركه! فلو أن الدعاة أو المدعوين من أمثال هذه النوعية فلن تتقدم الدعوة خطوة واحدة أبداً.
يجب أن نجعل كل أوقاتنا، واهتماماتنا بأمر الدعوة كأساس وأصل، ومنهج، كيف نطلب العلم؟ كيف نعمل لهذا العلم؟ كيف نصبر؟ وأن يكون ذلك كله منضبطاً بأمر الله، وأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:١ - ٣] وتكون سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسيرة السلف الصالح أمامنا دائماً.
فنطلب من العلم ما طلبوا، ونهتم بمثل ما اهتموا به، ولا ننظر إلى العاجل، ولانخاف في الله لومة لائم، كما ذكر الله عز وجل، ندعو كما دعوا؛ ففيهم الأسوة والقدوة، ونصبر كما صبروا، ونتحمل كما تحملوا، ونلاقي في ذات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما لاقوا.
فإذا كنا على آثارهم فثقوا أننا سنصل -بإذن الله- إلى شيءٍ مما وصلوا إليه، أو يشملنا الله تعالى برحمته فيوصلنا إلى ما وصلوا إليه، وينشر الله دعوته ودينه على أيدينا، فيكون لنا بذلك فضل السبق في زمن الغربة، وفي زمن الفتنة، ونكون من الغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس، أو يصلحون عند فساد الناس.
إن الواجب عظيم، فأوصي نفسي وإخواني أن نتذكر دائماً أن هذا الواجب عظيم وثقيل، وأننا نحن طلبة العلم أكثر الناس مسئولية عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهذه أمانة عظيمة لا ننساها أبداً، ولن يشفع لنا إلا ما عملنا أو قدمنا، وكل ما نعمله وكل ما نبذله من جهد فلنراجع أنفسنا فيه، ماذا أثمر؟ وماذا أنتج؟ وبذلك نكون -إن شاء الله- على المنهج القويم الذي فيه تتحول الجهود إلى حركة ذاتية منضبطة على أمر الله وأمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس مجرد هيجانات، أو ثورات عاطفية سرعان ما تخبو، وسرعان ما تخفت.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم لي ولكم الثبات على الحق في المحيا والممات إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.