[هل ننتظر النصر من اليهود والنصارى؟!]
عندما قيل: إن الغرب والكفار سوف يدفعون عنا عذاب الله؛ سُررنا وفرحنا بذلك، نسأل الله العفو والعافية.
أمة التوحيد التي تقول في كل ركعة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] هذا هو حالها وهذا هو شأنها في وقت الشدة! أنها لا تلجأ إلى الله ولا تتوب ولا تتضرع! وإنما تلجأ إلى الكفار، وتجعل ثقتها لهم! فإلى هذا الحد وصل بنا الأمر من ضعف العقيدة! ففي كل وقت نقول: العقيدة والعقيدة فأية عقيدة هذه! إن لم تكن واقعاً وسلوكاً فإن العقيدة مجرد كلام.
فأين العقيدة الصحيحة؟! وهل من العقيدة أن نأمن ونطمئن إلى الكفار؟! وهل نظن أن الكفار سينصروننا؟ وهل ننسى وعد الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:٣٨]؟ فمن هم هؤلاء المؤمنون الذين يدافع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عنهم؟! وقد قال بعد ذلك: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج:٣٩] إلى أن قال بعد ذلك: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:٤١] وهؤلاء هم الذين يدافع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عنهم، وهؤلاء هم الذين ينصرهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فنحن إنما ينصرنا الله، وليس الكفار هم الذين ينصروننا! وهذا الكلام ليس من حيث ضرورة الواقع، أو غير ذلك، بل هو من حيث التوجه القلبي، فإن هذه المسألة مشكلة خطيرة، وأرجو من كل مسلم أن يقرأ كتاب الله.
فالمشكلة والخطورة ليست أننا قد نقول: استعانتنا بالكفار أتجوز للضرورة أم لا تجوز؟ فليست هذه هي القضية؛ لأننا يمكن أن نبحث هذه المسألة أو أن نفعل هذا العمل وقلوبنا مطمئنة بالإيمان، وبالثقة والتوكل على الله، ويكون هذا سبباً من الأسباب.
ولكن ليست هذه هي المشكلة، بل المشكلة في أن القلوب انصرفت إلى غير الله من الكفار الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.
فقد تعلقت الآمال بهم في سلامتنا وفي نجاتنا والعياذ بالله.
وأنا أريد أن نتناول القضية من جانبها الإيماني، ومن جانبها القلبي الإذعاني، وننبه إخواننا وأنفسنا وأهلنا، وأي شخص آخر، إلى أن عذاب الله قد يأتينا في أشكال لا نعلمها، وهذا إنما هو نذير فقط.
{ومَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر:٣١] فأين نحن من التوكل؟! وأين الدعاة والخطباء والعلماء لإيقاظ الناس إلى هذه المسألة المهمة؟! وقبل أن نبحث الأسباب، وقبل أن ننظر في واقعنا، يجب أن نبحث عن هذه القضية من جذورها، وهناك إشارة وردت في بيان مجلس القضاء الأعلى إلى وجوب الاستغفار والتوبة لكن إذا نظرنا إلى وسائل الإعلام.
وإلى البيانات الصادرة، فإننا لا نجد فيها هذا التذكير، مع أنه هو الأصل، وفيه النجاة، وهو الذي امتن علينا به الله، فالله رحيم رءوف بنا عندما نقع في أي مشكلة.
وعندما دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة منتصراً، دخلها في ذلة لله، واستكانة له، مطأطئ الرأس، فكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حال الاستكانة والذل لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو منتصر، ونحن في حالة الخوف والذعر والهلع ومع ذلك لم نتضرع ولم نستكن ولم نندب، بل على العكس من ذلك، تعلقنا بالمخلوقين الذين هم أعداء لنا، وعداوتهم لا تنتهي إلى قيام الساعة، فهذا هو العدو الحقيقي الذي لا يمكن أن ينصرنا؛ لأن هذا هو خبر الله عز وجل، وخبر من لا ينطق عن الهوى، الصادق المصدوق، كما ورد في الحديث الصحيح: {لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بـ الأعماق} فهناك تكون الملحمة والمعركة، وهي كما بينها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستنتهي لصالح المسلمين حتى لا نخاف ولا نيأس، لكن أين المسلمون؟! إن حالات الذل تمر بالأمة كما تمر بها حالات القوة، وأيضاً حالات الخذلان تمر بها كما تمر بها حالات التوفيق إذا اتقت ورجعت إلى الله.
وكنا في محاضرة: (مستقبل العالم الإسلامي في ظل الوفاق الدولي) ثم محاضرة: (الحروب الصليبية)، من هذا المنطلق كنا نتوقع ونعلم -دون معرفة التفاصيل- أن هذا الميثاق سيؤدي إلى أن الغرب سيتكتل، ويتكالب علينا، وأنه سيأتي إلى هذه المنطقة، لكن الله تعالى أعلم، كيف سيأتي، المهم أنه سيأتي.
فهل هذه الفرصة أتاحها لهم حزب البعث الصليبي، وقدمها لهم على طبق من ذهب؟! أم هل رتبوها مع بعضهم البعض؟ أم أنها جاءت فرصة فاهتبلوها؟ هذا لا يهم.