إن واجب المسلم أن يحقق العبودية لله كما أراد الله، وأن يتقي الله أينما كان، وألاَّ يُعبد الله إلا بما شرع الله قف عند كل عمل تعمله وانظر هل هذا من طاعة الله؟ فإن كان من طاعة الله فكيفما فعله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فافعله، وإن كان مما حرم الله فاجتنبه، ولا يغرك كثرة الهالكين، ولا يغرك كثرة الداعين إلى البدع؛ فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ضرب لنا أمثلة منها: أنه رسم خطاً ورسم خطوطاً، وذكر أنه على رأس هذا الخط المستقيم داع يدعو، وعلى جانبيه أبواب، وعليها ستور مرخاة ودعاة يدعون، فهؤلاء دعاة على أبواب جهنم كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا أطاعهم المؤمن (فانحرف يميناً أو يساراً) إما إلى مذهب الغلو في الدين حتى يخرج منه كما فعل الخوارج، وإما إلى مذهب التساهل أو الترك كما يفعل أكثر الناس إلا من رحم الله؛ فإذا انحرف يميناً وشمالاً انحرف عن الخط، وأخذه وتلقفه دعاة جهنم فيلقونه في النار.
فهذه العبادة كيف يحققها العبد؟ يحققها باتباع ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف؟ تقرأ كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعرض أعمالك كلها عليها، وتعلم أنه ما من عمل يتعلق بك فرداً، أو بمجتمعك الذي تعيش فيه، أو بأمتك عامة، أو بالثقلين كافة؛ إلا والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد شرع فيه ما يغني ويكفي؛ وإنما جعل الله تبارك وتعالى اجتهادات العلماء والفقهاء أموراً كاشفة عن حكم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يبحثون ويجتهدون ليبينوا لنا ما شرع الله؛ ولذلك كل الأئمة الأربعة رضي الله عنهم وهم أكثر من اتُّبع من العلماء، كلٌّ منهم يقول: 'إذا رأيتم الحديث يخالف كلامي فاعملوا بالحديث واضربوا بكلامي عرض الحائظ! '.
هذا وهم أئمة وقدوة! وهم الذين أجمعت عليهم الأمة! لكن قالوا: إذا خالفنا الحديث فلا تعملوا بقولنا أبداً! فكيف إذا كان القول المخالف لشرع الله -قول- أعداء الله؟! قول الكافرين وقول الملحدين وقول المنافقين وقول المجرمين {الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا}[النور:١٩] والذين يتبعون الشهوات؛ والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول:{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}[النساء:٢٧] لكن ماذا يريد الذين يتبعون الشهوات؟ قال تعالى:{وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً}[النساء:٢٧] أي: لو أطعناهم بما يقولون وبما يزينونه للشباب، وبما يبهرجون للشباب من المغريات؛ لأخرجونا عن عبودية الله تبارك وتعالى.
إن العودة إلى الله وإلى الدين وإلى العبودية الحقة لله أصبحت ظاهرة قوية مشاهدة في الشباب المسلم، ونرجو الله أن يمكن لها، وأن تتقدم أكثر فأكثر؛ لكن ماذا عمل هؤلاء المبتدعة؟ هؤلاء قطاع الطريق لما رأوا أن الشباب متجهون إلى الله، جاءوا ووضعوا علامات (اتجه يميناًَ، اتجه شمالاً) ليصرفوا هؤلاء الشباب عن العودة إلى الله تعالى، فلتحذروا من قطاع الطريق هؤلاء! وهم المبتدعة وأصحاب الضلالات وأصحاب الفرق المنحرفة، الذين كل منهم يرفع راية من الرايات! ليأخذ ثلة من الشباب، فيقذف بهم في النار! فيجب على الشاب العائد إلى الله المتمسك بدينه أن يعرف هؤلاء المبتدعة وأن يجتنبهم وأن يتجنب بدعهم؛ كما يجب أن يعرف أيضاً أولئك الملاحدة وأتباع الشهوات، ويجتنب إجرامهم وشهواتهم ومفاسدهم، فليجتنب هذين العدوين! فإنهما من أخطر الأعداء، وكذلك العدو الذي في داخله وهي (هذه النفس)(فيتقي الله في نفسه) ويعلم أنها إنما خلقت لعبادة الله، وإلا فكلُّ نفسٍ بشرية فيها جزء من الفرعونية؛ كما يسميه ابن القيم رحمه الله، كما أن فرعون قال: ((فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:٢٤] فكل إنسان يحب أن يظهر، ويحب أن يرتفع على غيره، يحب أن لا يخضع، وكأنه يرى أن في عبوديته وخضوعه لله قيوداً تعطله؛ ولكن في الحقيقة: إن أعظم حرية هي العبودية لله! وإن أعظم راحة وأعظم نعمة هي عبادة الله!!