وإذا أردنا أن نستعرض بعض الوثائق التي تدل على طبيعة الوفاق الدولي، وما حدث في أوروبا الشرقية، فنذكر وثيقة وهي عبارة عن تقرير نشرته صحيفة اللوموند الفرنسية وقد كتب هذا المقال في أثناء تساقط الأنظمة في أوروبا الشرقية.
يقول: ' تشهد إسرائيل هذه الأيام كل ما يجري في دول أوروبا الشرقية باهتمام كبير؛ نظراً لأنها تجد في ذلك فرصة مواتية لإعادة علاقاتها الدبلوماسية مع كلاً من هذه الدول، والواقع أن هذا ليس فقط موضع اهتمام إسرائيل وإنما هناك أهداف أخرى تسعى لتحقيقها، إذ ترى بأن علاقاتها مع تلك الدول منذ حرب ١٩٦٧م قد حرمها من روابط أهم بكثير من مجرد النواحي الدبلوماسية' فالقضية ليست هي قضية إعادة علاقات، وقد أعيدت كما تعلمون، يقول: لا، هناك روابط أخص من روابط دبلوماسية، يريدها اليهود المحتلون من أوروبا الشرقية ما هي؟ يقول: 'إذ يرى بعض الإسرائيليين أن عودة العلاقات بين إسرائيل ودول أوروبا الشرقية هو بمثابة العودة إلى قطاع من العالم ترتبط به إسرائيل منذ وقت طويل بروابط عاطفية وثقافية، بل وروحية قوية ومتعددة' فما معنى روابط عاطفية وروحية إلى آخره هو الدين؛ لأن معظم اليهود المقيمين في الأرض المحتلة الآن، في دولة إسرائيل -كما تسمى- معظمهم من أوروبا الشرقية.
يقول: 'ويرى البروفيسور شلومو مكلوري أنها إذا كانت لإسرائيل علاقة عميقة دائماً مع أوروبا -يعني: ككل- فإن أوروبا هذه هي التي تضرب في أعماقها جذور الشعب اليهودي " أي: أوروبا الشرقية {{أي: فيوراتو، وفيينا وبرار، وأديسا، وبيتاريا، ولتوانيا وليس في باريس أو لندن أو بروكسل، كما يرى شلومو بأنه كلما استعادت دول شرق أوروبا هويتها، وامتلاك ناصية أمورها فمن الممكن لعدد كبير من الإسرائيليين أن يعيدوا علاقاتهم وارتباطهم بثقافة أوروبية كانوا بمثابة عضو مشترك فيها بشكل كامل، وذلك من خلال لغات وآداب مارسوها في أقاليم ومدن سكنها يهود أوروبا منذ القرن الخامس عشر}} لماذا من القرن الخامس عشر؟ أي منذ أن طُرد المسلمون من الأندلس، واحتلت الأندلس الحكومة الصليبية بزعامة فريدناند وإيزابلا فطُرد المسلمون وطُرد اليهود كذلك، فالمسلمون خرجوا وقتلوا وأبيدوا في محاكم التفتيش، وأيضاً طرد اليهود لأن الصليبيين فريدناند وإيزابلا طردا اليهود، فهاجروا إلى أوروبا الشرقية، حيث كان كثير من هذه الدول تحت حكم الدولة العثمانية.
إذاً يقول: إن الرابطة الأساس هي الرابطة الدينية، وإن إسرائيل تسعى إلى تحرر أوروبا الشرقية من الستار الحديدي، رغم أن الشيوعية فكرة يهودية، ورغم أن القائمين عليها يؤدون أعظم الخدمة لليهود، وعلى سبيل المثال: زعيم رومانيا خدماته لليهود واسعة، وهو مهندس كثير من مشاريع اللقاءات بين الزعماء العرب وبين بعض زعماء اليهود، ومع ذلك فإنهم يريدون أن تتخلى هذه الزعامات ليأتي مستقبل آخر، لتكون العلاقات فيه أقوى وليكون الارتباط الروحي -كما يقولون- بين اليهود المقيمين في الأرض المحتلة وبين اليهود في أوروبا الشرقية.