[مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ]
ما معنى قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:٧٩]؟
الجواب
هذه الآية مما أشكل على القدرية وضل فيها المتكلمون وتاهوا، وهو أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رد على المنافقين فقال: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:٧٨ - ٧٩].
فالآية بحمد الله ليس فيها إشكال على مذهب أهل السنة والجماعة، وكما فسرها علماء السلف؛ لكن الحيرة جاءت من أنه كيف ينكر الله عز وجل على المنافقين قولهم: إن ما أصابهم من حسنة فمن الله وما أصابهم من سيئة فهي من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين، ثم بعد ذلك يقول: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك.
إذاً: كيف ينفي كلامهم بقوله قال تعالى: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} [النساء:٧٨] ثم بعد ذلك هو يقول: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:٧٩].
والجواب: أن المقامين مختلفان، فالكافر والمنافق والعاصي والفاجر ما أصابه من حسنة فهي من الله فضلاً تفضل الله تعالى بها، وما أصابه من سيئة فهي من نفسه -أي: بسبب نفسه- أي: عقوبة، والحال أن الخير والشر كله من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وكذلك -إذا نظرنا- لما قالوا: ما أصابنا من حسنة فمن الله، هذا حق، وما أصابنا من سيئة يقولون: هذه من عندك -يقصدون الرسول- أي: يا محمد! أنت السبب في هذه المصيبة، فنقول: لا.
ما أصابكم من حسنة فهي فضل من الله؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعفو عن كثير، وإلا فالمصائب بسبب الذنوب، لكن يعفو عن كثير، وما أصابكم من سيئة فهي ليست بسبب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل بسبب معصيتكم وذنوبكم أنتم، فلذلك وضح الله ذلك في كتابه بما لا شبهة فيه، فقال: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:٧٩] فلم يقل: إنها من المنافقين، لكنهم قالوا: من محمد وأصحابه.
فإذاً ما يصيب الإنسان من خير، فمن الله فضلاً، وما يصيبه من شر فمن الله عدلاً، سواء كان هذا الإنسان صالحاً أو طالحاً.
وأما أن يُجعل غير الله هو الذي يصيب فلا؛ لكن! حتى وإن كان السبب من غيرك؛ فبالحقيقة أنك أنت السبب؛ فمعصيتك هي التي جعلت هذا الإنسان يسلّط عليك.
وهذه حقيقة واضحة عند المؤمنين جميعاً، فقد كان من السلف الصالح من يبتلون حتى من الكفار، ومع ذلك يؤمنون أن هذا من عند الله؛ حتى لما ابتلوا يوم أحد كما قال تعالى: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:١٦٥] فتسليط الكفار عليهم بالقتل هذا من عند أنفسهم، أي: بسبب ذنوبهم، وليس مجرد أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أراد هذا لمجرد عذابهم.