الحمد لله القائل:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيرا ً) [الفرقان:٣١] وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد القائل: {تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك} وصلى الله وسلم وبارك على آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين وبعد: فلا شك -أيها الإخوة- في الله أن العلمانية بتلك المنزلة من الخطورة، وأنكم جميعاً -والحمد لله- على علم بها، فالعلمانية هي أكثر المذاهب الفكرية وضوحاً وجلاءًَ في الواقع المشاهد المحسوس، وإن كانت ربما تبدو غامضة في الذهن، فهي منهج واقعي ضخم، تعيش الأرض جميعاً -إلا ما رحم ربك- هذا المبدأ، وهذا المنهج القائم على الشرك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو أعظم وأكبر ذنب عصي الله عز وجل به، القائم على أن الدين الذي أنزله الله تبارك وتعالى والكتاب والحق الذي شرعه لا شأن له في حياة الناس، بل ذلك الشأن للأرباب والمتفرقين والمتألهين من العباد والأنظمة والمناهج، وليس لله عز وجل -في نظر أولئك المجرمين- من نصيب، إلا ما يُؤدَّى من شعائر تعبدية، أو ما يسمى بالصلة الروحية به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هذه قضية معروفة عن هذا المنهج في كل مكان وجد فيه؛ ولا سيما حيث نبتت بذوره الخبيثة في أوروبا المجرمة الشاردة عن دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شرقها وغربها، الشيوعي منها والرأسمالي.
ولا يهمنا الآن أن نتحدث عن العلمانية، بقدر ما يهمنا الحديث عن الطور الجديد الذي تعيشه، فإن الأفكار تنمو كما تنمو الأمم، وتتطور كما يتطور الأفراد أو الكائنات الحية، وإنه لا يليق بالأمة الإسلامية أن تقف عند تصور محدد لمجابهة فكرة خطيرة، بينما تلك الفكرة قد انتقلت إلى مرحلة أعلى من المجابهة، وإلى درجة أكثر من التنظير، فيجب علينا أن نعيش كل مرحلة وأن نجتهد في مواجهة كل مستوى من مستويات الانحراف، بحسب مقتضى الأحوال.