[إحياء ليلة السابع والعشرين من رجب]
السؤال
في شهر رجب تزدحم مكة بالزوار والمعتمرين، وعندما سألنا بعضهم عن سبب مجيئهم، أجاب بقوله: لقد أتينا لنحيي الليلة الرجبية، وهي ليلة السابع والعشرين، ونحن نأتي لأداء العمرة فيها، حيث إن لهذه الليلة فضيلة عظيمة، فنرجو منكم التوضيح، هل قيام هذه الليلة وأداء العمرة فيها ورد فيه دليل؟
الجواب
هذا الدين قام على أصلين عظيمين: الأصل الأول: ألاَّ يُعبد إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
والأصل الثاني: أن يعبد الله تعالى بما شرع ولا يُعبد بالبدع.
والناس إن حققوا الأول فكثيراً ما ينسون الثاني، ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} والجار والمجرور هنا متعلق باسم فاعل، بمعنى حاكم: {ليس عليه أمرنا} أي: ليس أمرنا حاكماً عليه وضابطاً له ومهيمناً عليه، {فهو رد} أي: مردود على صاحبه، وإن ظن أنه يحسن صنعاً بذلك، فإن الرهبان من البوذيين والنصارى وغيرهم الذين حبسوا أنفسهم عن ملذات الدنيا ومتاعها، لا نشك في أنهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً، وأنهم يعبدون الله بزعمهم، ولكنَّ عملهم خاسر، فهؤلاء هم الأخسرون أعمالاً، قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:١٠٣ - ١٠٤]، وحين ننظر هل ورد في كتاب الله أو في سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يدل على فضل هذه الليلة أو على تفضيل شيء من العبادة فيها، فلا نجد، وهكذا كَتَبَ وقرَّر علماء الحديث وعلماء أهل السنة، بل علماء البدع -إن صح أنهم علماء وفيهم من هو عالم ولكن أضله الله على علم- لا يجدون دليلاً على ذلك، وإذا أردت أن تعرف أهل البدع، أو أردت أن تعرف أن ما يعملونه بدعة، فانظر إلى أدلة أهل البدع، لترى العجب العجاب فإن أدلتهم تتنوع إلى ما يلي: الدليل الأول: عمومات بعيدة ليست في موضع النزاع، وليست فيما اختلف فيه، لكنهم يدخلون ما يشاءون ضمن هذا التعميم الأول.
والدليل الثاني: الحديث الموضوع.
والدليل الثالث: فعل المشايخ.
والدليل الرابع: إجماع الأمة في العصور المتأخرة عليها.
فتقرأ أدلة كثيرة كلها لو دققت فيها فهي لا شيء، وليس منها دليل في الحقيقة، وهذه من علامات أهل البدع، في هذه البدعة وفي غيرها، وهذا منهجهم، وهذه طريقتهم.
أما الرجل من أهل السنة فإنه يقول: فعلت كذا لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعله، وقلت كذا لأن الله تعالى قال كذا، فالحق واضح مثل الشمس، فهؤلاء ليس عندهم أي دليل على اختصاص هذا الشهر بعبادة معينة، لا دليل على الإطلاق، بل القرآن الكريم الذي يقرؤه كل أحد، قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيه: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:٣٦] فما الذي نفعله فيها قال: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:٣٦] أي: أن الأشهر الحرم لها فضل زماني عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد شرع الله لنا أموراً لها فضل زماني، كما شرع أموراً لها فضل مكاني، فـ مكة -مثلاً- لها فضل مكاني ولها حرمة، والزمن له حرمة، فما الذي شرع في هذا المكان، أو ما الذي شرع في هذا الزمان؟ قال تعالى: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:٣٦]، أي: إذا كان الإنسان لا يُؤدِّي الصلاة جماعة، نقول له: حتى في الشهر الحرام لا تؤديها جماعة، فالذي لا يُؤدي الصلاة جماعة آثم في جميع السنة، وهو في الشهر الحرام وفي البلد الحرام أكثر إثماً، والذي لا يغض نظره، فكلما رأى امرأة شاردة أو ورادة ينظر إليها فنقول له: يا أخي! اتق الله، أنت في البلد الحرام.
وكذلك يا أخي! اتق الله، فأنت في شهر حرام، فهذا هو المقصود من قوله تعالى: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:٣٦].
فإذا كنت حريصاً على طاعة الله، فليكن حرصك على طاعة الله في الشهر الحرام، أو في البلد الحرام أكثر، فلا يوجد خصوصية معينة إلا ما شرعه الله -مثلاً- في البلد الحرام، كالطواف، والحج، والعبادات المشروعة فيه، وهذه خاصة به، لكن غير ذلك، فالظهر في البلد الحرام أربع ركعات، وفي غيرها أربع ركعات، فلا أزيد على ذلك، وألتزم بالصلاة على وقتها في البلد الحرام أكثر، وأكون حذراً من تفويتها فيها أعظم مما أكون في غيره، وكذلك في الشهر الحرام.
والناس يغفلون عن مسألة الحرمة للزمان أو المكان، ويأتون بما لم يشرعه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فيدَّعون لـ مكة، أو لـ منى من الحرمات ما لا حقيقة له، وفي الجانب الآخر -أيضاً- يدَّعون لبعض الأشهر أو بعض الأيام المفضلة أو المحرمة ما لا حقيقة له، والمقصود أن هذه الليلة لم يثبت في فضلها أو خصوصيتها شيء.