[النوع الأول: الخرافات والأساطير]
بقيت الخرافات والأساطير عندهم؛ ثم أن اليهود والنصارى وورثوا ميراث أولئك، وزادوا عليه ما عندهم من الخرافات، فهم يعتمدون على الكهانة، ويعتمدون على التنجيم، ويعتمدون على الأساطير، ويعتمدون على كل الوسائل التي قد تخطر على البال أو لا تخطر من مواردالمسلمين وغيرها.
بهذه المناسبة أذكر للقارئ مثالاً حياً، حدث الليلة حدثٌ كبير في أمريكا حيث ستجرى الانتخابات، وكل واحدٍ من الطرفين لديه عدد كبير من المنجمين والمنجمات والساحرات يخطون لهم بالرمل من شهور ويتنبئون بفوزه في الحملة الكلية أو في ولاية كذا دون كذا! وهذا معروف جداً، ومن لوازم البيت الأبيض الأساسية، وهذا نقل ونُشر، وهو موجود في كتبهم، وهم لا ينكرون ذلك، فإنهم يعتمدون في التخطيط السياسي على الكهانة وعلى أخبار السحرة والمنجمين والمشعوذين بنفس الطريقة العتيقة القديمة، التي يتحدث عنها العجائز أو من أثر فيهم المشعوذون: كالمطالع، والقرانات، وحركات الكواكب والأفلاك، وهذا المصدر ما زال موجوداً! مثلاً: المذَّنبات، فإنها عندهم دليل على حدث ضخم يقع في الأرض، ويتأول الناس في ذلك ما يتأولون، وهذا موجود عند العجائز وكبار السن، ومن المتداول في القديم وإلى الآن، وهذا اعتقاد الغربيين، أن مذنَّب " هالي " يعتقدون أنه يتلازم مع ظهوره وقوع أحداث دولية أو سياسية كبيرة، وهذا دليل على أن الخرافات واحدة، وإن كانت في ثوب عصري، وبمكان عصري ولعل القارئ يذكر بعض الكتب التي تقرأ ويقرؤها العامة وفيها الملاحم، مثل ملحمة " التبع حسان " هذه الملحمة موجودة في كتاب الزير سالم، وهو من كتب الخرافات والسحر التي تقرأ فيها كيف سيأتي ملك بني أمية؟ فيقولون كيف سيظهر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم يأتي ملك بني أمية، ثم بني العباس ثم إلى ظهور المهدي وظهور عيسى عليه السلام في آخر الزمان، ومثل هذا كثير.
ومثل لهذا ابن خلدون بأنواع من الشعر كثيرة، فلديهم في الغرب هذه الصورة من الدجل، والحق المشوب بالباطل، والظنون، والتخرصات، كما هو معلوم أن هذه الأشعار والأخبار كتبت بعد الإسلام أصلاً، لكن تفترض أنها كانت قبله، فمثل هذا موجود عند الغرب لكن بصورة أعرق وبطريقة أدق لأنهم يهتمون بتحليل كل شيء حتى الخرافة.
ومن ذلك أن رجلاً غريباً ظهر قبل أكثر من مائتي سنة في أوروبا وألمانيا وذهب إلى الكنيسة ودرس في الفاتيكان يسمونه " انوستر دامث " وهذا كتب كتاباً يتنبأ فيه بأحداث، وزعم أن ما يتنبأ به ليس مجرد أخبار أو آراء أو تنجيم أو كهانة، وإنما فيه -أيضاً- من نور النبوة، وفيه من الوحي، ويحتمل أن يكون استنبط كتابه مما عند أهل الكتاب، بل يحتمل -أيضاً- أن يكون اطلع على ما كتبه المسلمون في هذا مما هو مأخوذ من أحاديث الفتن والملاحم وغير ذلك.
فهذا الرجل هو الحديث والشغل الشاغل لكثير من الدارسين والمحللين الغربيين في أوروبا وأمريكا، وقد عملوا له فيلماً، ولعل البعض قد رآه، وقد رأيته -الحقيقة- بنفسي، فيتعجب المرء عندما يرى كيف يفكر هؤلاء، وقد قال هذا الرجل مثلاً: إن الثورة الفرنسية سوف تقوم، وإن نابليون سوف يظهر، وإن الدولة العثمانية حالها كذا، وإن أمريكا عالم جديد سيُكتشف أو اكتُشِف، وسيكون العالم الجديد، فيه فلان الزعيم وفلان وفلان من الزعماء الذين لم يكونوا قد ظهروا في هذا الوقت إلى أن قالوا: إنه ذكر مقتل جون كيندي، وأخبر بأن دمار أوروبا سيكون على يد رجل يظهر من الشرق، ويرد في الفيلم مجموعة من العرب مثلوا ما في هذا الكتاب، وجاءوا بالأحداث على أنهم مجموعة من العرب في الصحراء، ومعهم هذا القائد -وهو: قائد دكتاتوري- ويشير إليهم أن أطلقوا الصواريخ! فيطلقون الصواريخ، ويجتمع الرئيس الأمريكي وأركان جيشه، قادة أوروبا فيصدون أول وثاني هجوم، وفي المرة الأخيرة لا يستطيعون صد الهجوم النووي، فتنزل الصواريخ! وترى نيويورك وهي تتطاير وتدمر، وكذلك بقية مدن أمريكا، وتسقط أوروبا، ويسقط الغرب ويخضعون لهذا الفاتح العربي -كما صوره الفيلم- وفيه زيادات.
لكن المقصود من هذا الكلام أن هذا الفيلم من أكثر الأفلام رواجاً في أمريكا، وقد عمل عام (١٤٠٥هـ) الموافق تقريباً (١٩٨٥م) وفيه تصويرالمسلمين على أنهم العدو اللدود الذي لا يمكن ولا يصح إلا القضاء عليه وتدميره، حتى في ذلك الزمن عندما كان الاتحاد السوفيتي لا يزال قوياً، فإنهم كانوا يعتبرون أن العدو الخطير لهم هو الإسلام وليس الاتحاد السوفيتي، فالعدو الخطير هو هذا العدو الذي ذكره وصوره هذا الرجل وأصحاب هذا الفيلم.
وسمعت أن المخرج يهودي وأنه قصد هذه الإثارة، ولا يستبعد ذلك.
وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي أصبحت هذه النظرية أكثر رواجاً وأكثر قبولاً، وبذلك أصبح الغرب يعتبرالمسلمين هم العدو الأول والأخير الذي يجب أن يقضى عليه، وأن اجتماع الغرب والشرق ضرورة -أي: غرب أوروبا وشرقها- بل حتى يجتمع الهنود، والصينيون، والبوذيون، واليابانيون، وكل العالم للقضاء عليه، ولكن وفق خطط مدروسة.
إذاً: عندهم هذه الخرافات والأساطير؛ ومنها ما قاله هذا الكاهن أو المنجم بزعمه، فهذه أحد مصادرهم.