للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[انبثاق النصر من جيل الهزيمة]

مما رأيته من سنن الله تعالى أن جيل الهزيمة لا ينتصر هو لكن ينبثق النصر منه.

فهو أول من يشعر بمرارة الهزيمة ومرارة الذل، وهذه من نعم الله.

وربما صحت الأجساد بالعلل

فتأتي مصيبة، وتأتي نكبة، وتأتي مشكلة، فيبدأ الشعور بالتقصير، والشعور بوجوب الأخذ بما أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فتبدأ الانطلاقة من هنا، ولكي يكون النصر نهائياً يحتاج إلى أمد بعيد وإلى زمن طويل، لا نحدده ولا نقيده بسنوات معينة، لكن هو على أية حال يحتاج إلى صبر وإلى أناة.

ومن هنا كان الواجب أنه في كل حدث، وفي كل مرحلة، وفي كل وقت، ألاَّ ننسى دائماً القواعد الأساسية التي عليها يبنى أي عمل مهما كان.

ومن أعظم القواعد في ذلك، أن توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الأساس الذي يكون منه الانطلاق في الدعوة، والجهاد، وأن التوبة، والإنابة، والضراعة، والاستغفار، وترك الذنوب والمعاصي، والإقلاع عما حرم الله ومحاسبة النفس، كل هذا لا بد أن نستصحبه في كل حال.

إذا اراد الفرد في ذاته أن يطلب العلم، فالاستعجال بالتوحيد أول واجب.

إذا أراد أن يجاهد فالتوحيد أول واجب.

إذا أراد أن يدعو فالتوحيد أول واجب.

إذا أراد أي أمر من أمور دنياه فأول شيء لا بد أن يبدأ بالتوحيد، ثم بعده يأخذ بسنن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في التغيير، ولله تعالى سنن في ذلك.

فالجيل الأول جيل الهزيمة أو جيل السقوط لا يفعل شيئاً، ولهذا رأينا الهزيمة المدمرة التي مرت بالعالم الإسلامي، كما حدث عام (٦٧) الأيام الستة وما تسمى نكبة وهزيمة ونكسة، إلى آخر ما قيل، فابتداءً منها ولدت الصحوة الإسلامية والعودة إلى الله.

انهارت النظم القومية والاشتراكية، والدعاوى الباطلة، الوافدة المستوردة، وبدأ الناس يفيقون، ويفكرون بالعودة إلى الله.

ولننظر كم نحتاج؟ فإلى الآن لم نصل إلى حد أن نكون أهلاً للنصر؛ لأن المسألة تحتاج إلى طول وقت، ولذلك لما أُخذت القدس في الحروب الصليبية الأولى، وقبل أن يأخذوا القدس أخذوا مناطق أنطاكية، وأجزاء الشام العليا.

ومرت سنوات حتى ظهر نور الدين، ثم جاء بعد نور الدين، صلاح الدين.

ثم كانت حطين في النهاية، ثم بعد حطين كان دخول بيت المقدس.

إنها سنن وإعداد مادي، وإعداد علمي، وإعداد أدبي، فعند قدوم الصليبيين كانت هناك مدرسة واحدة في دمشق تعادل كلية كما نسميها اليوم، ودمشق عاصمة الشام، ولم يكن فيها إلا مدرسة واحدة للعلم وللحديث.

فلما كانت أيام صلاح الدين، كانت المدارس تقارب مائة مدرسة، فلماذا نغفل عن هذا الجانب؟! ننظر دائماً أن صلاح الدين جمع الجيوش وانتصر، هذا حق وهذا جانب لا يمكن أن يغفل، لكن هل يمكن أن يكون هذا النصر وهذا الجيش لولا أن هناك أمراً آخر حدث في الأمة؟! لقد حدث تغيير أساسي في الأمة، وهو رجوعها إلى العلم وإلى طلب العلم، وإلى الدعوة وإلى الخير.

وهؤلاء العلماء وهؤلاء الدعاة هم الذين حرَّكوا الأمة، فهم العصب الذي يحرك هذه الأمة ويجمعها، ويوحدها على الخير بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد كان ابن قدامة رحمه الله صاحب المغني في ميمنة صلاح الدين فاجتمع العلماء على الكتاب والسنة، واجتمع حولهم طلبة العلم على ما اجتمعوا عليه من الحق، فاجتمعت القيادة المؤمنة، مع الدعاة الصادقين، مع طلبة العلم، فكان النصر بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وهذا الذي يجب أن نفكر فيه دائماً، وأن نسعى إليه دائماً، وألاَّ نتيح لأنفسنا ولعواطفنا مجالاً للاستعجال، وقطف الثمرة قبل أن تنضج، مهما كان الأمر، ومهما كانت رغبتنا في تحقيقها وفي قطفها، فهذه سنن ربانية، ولا بد أن تتحقق بالنسبة للفرد وبالنسبة للمجتمع، وكل العالم يدرك هذه السنن نوعاً من الإدراك.

فعندما بدأت اليابان تخطو خطواتها في ملاحقة الغرب، بدأت -وهي تدرك هذا الشيء- وصبرت على الابتعاث وعلى التبعية للغرب، حتى أصبحت منافساً له.

بدأت كوريا من نفس النقطة، وبدأت غيرها من الدول، وهي دول لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر، لكن أدركت السنن، وأنه لابد من إعداد خطة أو منهج، ثم الصبر عليه حتى يؤتي ثماره، دون استعجال تكون فيه النهاية، وتكون فيه الانتكاسة والبدء من جديد.

أقول: إن الاستعجال يحتاج إلى حديث طويل، فنحتاج إلى أن نتحدث عن الاستعجال في أمورنا الخاصة، كالاستعجال في الزواج أحياناً، والاستعجال في قرار دخول الكلية، الاستعجال في قرار يتعلق بحياتك الشخصية، أو بإقامتك لمشروع ما، أو بأي عمل من الأعمال، لكن هذا مجاله طويل.

وقد حاولت أن أركز الحديث في القضية الأساسية التي يجب أن تكون دائماً محور حديثنا وموضوعنا.