عندما جاء عام (١٣٩٥هـ) بعد ارتفاع أسعار النفط، وما بعدها من الأعوام، بدأ الناس يتوافدون على هذه البلاد من جميع الأقطار, وفتحت الأبواب على مصراعيها؛ مع أنهم كانوا من قبل كذلك, لكن الانفتاح الكبير إنما حدث بعد هذا التاريخ، وكان أكبر مقر وأكبر مركز لهذا الانفتاح هو مدينة جدة بالذات، فسكنوها بمختلف الأديان والألوان والأجناس، حتى أصبح المسلم غريباً فيها، ولا أحد منكم إلا وهو يذكر ذلك، وإلى الآن هناك أماكن كثيرة من جدة أنت غريب فيها، لكن قبل بضع سنوات كنت إذا مررت في شارع قابل، أو شارع الملك عبد العزيز أو غيرها، ورأيت إنساناً يلبس شماغاً، فإنك تراه غريباً بينهم؛ لأنهم كانوا أكثرية، وجاءوا بتخطيط عميق وبعيد المدى، ومن هناك بدءوا يعملون في أكثر من مجال، لم يعد في إمكاننا أن نحصر المجالات التي بدأ التنصير يعمل أو يشتغل فيها, سواءً على الطريقة المكشوفة, أي: طريقة الدعوة السافرة الصريحة إلى دينهم، أم على طريقة الخيامين التي هي الدعوة المبطنة المتسترة التي تدخل إلى الناس وهم لا يشعرون، والتي من أساسياتها أن يخرج المسلم من دينه، هذه المرحلة الأولى, ثم بعد ذلك يدخل الجيل الثاني أو الثالث في دين النصرانية، لكن الجيل الأول مهمتهم معه أن يخرج من الإسلام وينسلخ منه, ويتزيا بزي الحضارة الغربية ظاهراً وباطناً.
وعندما توسع وانتشر هذا أصبح المسلم يحار! وأصبح في غربة! لا يدري كيف يقاوم هذا؟! لا يدري ماذا يفعل بهؤلاء الناس؟! فكثير منا أطرقوا رءوسهم, وقالوا: لا حرج في هذا وكثير لم يهتموا بالموضوع, لأن همهم هو الدنيا، حتى إن البعض إذا قيل له: لِمَ لَمْ تأت بعمال من المسلمين, يقول: يهمني إنجاز العمارة، أو المشروع، والمسلمون يصلون ويعتمرون وهم يتأخرون في العمل, لكن هؤلاء جادون في العمل!! فأهم شيء عند كثير من الناس الدنيا! وأصبحت الدنيا عندهم أعظم من الدين! والعياذ بالله، وصدق فينا قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{دينار أحب إلى أحدهم من صلاته} وفعلاً صارت هذه القاعدة في تلك الأيام، ولا يزال لها أثر إلى اليوم، فتوغلوا في كثير من مجالات الحياة قبل أن تفيق الصحوة الإسلامية وتبدأ تمارس بعض المجالات الدعوية التي شهدتموها جميعاً, والحمد لله.
وعندما تأتي للدعوة إلى الله في هذا البلد, وقد قرأت في الكتب عن التنصير وأعماله، تفاجئ وأنت ترى هذه الأعمال أمام عينيك مكشوفة وواضحة في قطاعات كثيرة!! حتى إنني فكرت مرة, وقلت: لماذا لا نعرض على الإخوان بعض الإحصائيات عن الشركات التي يديرها نصارى؟ ثم قلت لنفسي: قد نكون بهذا العمل مثل الذي يعد نجوم السماء أو يعد موج البحر! هل أستطيع أن أحصي الشركات في جدة وحدها التي يديرها ويرأسها بالكامل مدراء نصارى، ولا يوظفون إلا نصارى، ويمنعون الشاب المسلم أو العمال المسلمين من الصلاة؟! لا أستطيع ذلك أبداً!! رغم ما جمع لدي من حقائق في هذا، فقلت: لا يمكن أن نستطيع ذلك، ولا نضيع وقت الإخوان بالحديث عنهم, أو ذكر أسمائهم أو أعمالهم أو وظائفهم, لكنها موجودة ومعروفة؛ إنما الذي يمكن في الجملة أن نشير إليه هو أوكار التنصير.