للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر الذنب في رمضان]

السؤال

أفتنا يا سماحة الشيخ في حكم مشاهدة الأفلام والتلفاز في نهار رمضان، ولعب الميسر، وسماع الأغاني، وليس هو بوقت الإمساك عن الطعام والشراب؟

الجواب

أشرنا إلى ذلك، والقضية هي قضية الإيمان والقلوب، هذا القلب إن شُغِلَ بالحق؛ أثمر ذلك طاعات وعبادات وخيراً وبركةً في جميع الأعمال، وإن شُغِلَ بالباطل واللهو واللعب؛ أثمر ذلك ذنوباً وإجراماً وقبائح وشنائع.

وهل رأيت أحداً ممن يديم مشاهدة هذه المحرمات وسماع الأغاني، هل رأيته خاشعاً أواباً لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟! أم أنك لو رأيت مجرماً محترفاً وسألت عن حاله؛ لوجدته مدمناً لهذه المحرمات.

فثمرة كل شيء بحسبه، وهذه القلوب جعلها الله تبارك وتعالى مقراً ومستودعاً للإيمان به ولذكره؛ فأشرف ما في الإنسان قلبه، وأعظم وأشرف ما يُشْغَلُ به هو معرفة الله، وتقوى الله، والتعلق بالله، والتفكر في خلق الله، وفي أمر الله؛ فجاء شياطين الإنس والجن فأشغلوه بالملهيات وبالمغريات في رمضان وفي غير رمضان، فتعلقت قلوب الناس بالشهوات.

حتى قرأنا قبل أيام من يطالبون ونحن في استقبال شهر رمضان أن توجد مسارح، وأن يكون فيها نساء، وقالوا: ما دمنا نرى المرأة في التلفاز والفيديو فلماذا لا نراها على المسرح؟! يريدون أن يكون في المدن الرئيسية وفي النواحي من هذه البلاد الطاهرة مسارح تتبرج بها النساء؛ والحجة (أننا نراها في التلفزيون والفيديو!) فمن الذي أحل هذه المنكرات في التلفزيون حتى تستدلوا بذلك على حلها في المسرح؟! أقول: استمراؤها واستمرارها وقلة إنكارها في التلفزيون والفيديو جعلها حجة لمن يريدها في أي مكان آخر!! فهذه المنكرات الظاهرة من أعظم ما يجب على الإنسان أن يُخلِّص منها بيته، ويُطهر منها قلبه وعينه، وإن كنا صادقين مع الله، وإن كنا نخاف الله ونتقيه؛ فيجب أن نطهر أنفسنا وبيوتنا وأزواجنا وبناتنا وأولادنا من هذه الآثار والملاهي الخطيرة؛ لأنها تدمر الأمة وتدمر المجتمع.

ولا تقولوا: المسئولية في هذا على المسئول عن التلفاز أو عن الإذاعة أو عن الأغاني؛ فالمسئولية على الجميع، وكل ما يقدم فإنه يقدم باسم المشاهدين؛ لأن أكثر الناس يريدونها وإن كانت أفلاماً محرمة، وإن كانت من النكت التي قد يكون فيها تعريض بالدين أو استهزاء واستخفاف.

فلماذا يُعمَّر هذا الشهر العظيم بهذه الأمور التي أقل ما فيها أنها لهو تُصْرِف عن القرآن؟! قالوا: لقد صام الناس وتعبوا، ويريدون؛ فمن من الناس اتصل وأنكر هذه الأمور؟ فتأكدوا أن أي شيءٍ ينكره -في يومٍ واحد- ثلاثون أو عشرون (فهذا يتصل بالتلفون، وهذا يكتب خطاباً) تأكدوا أنه يُغير، وقد غُيِّرت بعض الأفلام لما استنكرها هذا وهذا وذاك؛ لكن لما استمرأناها جميعاً وسكتنا، وأصبحنا نقول: اللوم على من يعرضها، ولئن سألت من يعرضها، لقال: أنا أعرض ما يريد الناس، والناس ساكتون.

إذاً فالمسئولية على الجميع، وأنت الذي تأخذ بنفسك.

ولو بقي الأمر في حدود ما يعرض عامة لقلنا ربما؛ ولكن! أليس الناس يشترون اللهو كما يشاءون، ويشترون الأفلام والأشرطة كما يشاءون؟! وفيها من الفساد غير ما يعرض عرضاً عاماً على الناس! فالاستعداد لدينا للشهوات موجود.

لكن إذا سُئلنا، قلنا: يا أخي! ماذا نعمل؟ قال: الحق على الذي يعرضها، وكأننا مجبورون، وكأننا شددنا بالسلاسل، وربطت أعيننا وقيل: انظروا ولا بد أن تنظروا، من الذي قال ذلك؟! فإن أي أمر من المنكرات أو من الشر إذا عزفنا عنه وتركناه؛ فإنه يموت بذاته، ويحترق بذاته؟! ولذلك فإنه لو عُرضت شرور أكبر وشبهات أعظم على هذه الأمة؛ لأقدموا عليها.

لكن نحمد الله أن هناك موانع كثيرة تحول دون كثير من الشهوات، وإلا لرأينا الإقدام عليها يفوق التصور؛ لأن الاستعداد في القلوب موجود، ولا أحد يخفى عليه حرمة الأفلام هذه أو الميسر أو الأغاني في كل شهر وحين، وهي في رمضان أشد وأغلظ كما ذكرنا.