للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وسطية مذهب أهل السنة بين الفرق]

عليك أن تجمع الحق من نصوص الوعد وما صح من نصوص الوعيد وتخرج المذهب الحق وهو مذهب أهل السنة والجماعة المذهب الوسط في هذا الشأن, كما هو الوسط في جميع الأبواب, وسط في الصفات بين أهل التعطيل (النفي المطلق) وبين أهل التمثيل, (الإثبات المغالي فيه) وفي باب القدر بين المعتزلة النفاة الجبرية الغلاة، ووسط أيضاً في باب الصحابة الكرام بين من ألههم وبين من كفرهم, ووسط في باب الإيمان, بين من يخرج العاصي من الملة, وبين من يجعله مؤمناً كامل الإيمان؛ فهذا جزء من الوسطية ويظهر ذلك من خلال اجتماع النصوص فيهم والحمد لله.

وهنا فائدة منهجية وهي أنه لا يوجد نص صحيح في الوعد أو الوعيد يرده أهل السنة والجماعة فهذا في القرآن معلوم, لكن في الأحاديث لا يمكن أن يصح حديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الوعد أو الوعيد ويرده أهل السنة والجماعة؛ لكن لو نظرت إلى الخوارج , فلابد أن يردوا أحاديث، وكذلك المرجئة لا بد أن ترد أحاديث, إذاً فما آمنوا بما جاء به الرسول حق الإيمان, لكن أهل السنة والجماعة يؤمنون بالكل, ويجمعون النصوص على بعضها البعض, فيقعون على الحق الوسط ويستمسكون به, وبه يلقون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ولهذا كانوا الطائفة الناجية إن شاء الله تعالى، فهي وحدها الموعودة بالنجاة، أما غيرها فمتوعد بالهلاك.

وكما كان الدين وسطاً بين الملل، فلو نظرنا إلى ما كان عليه أهل الأديان وأهل الكتابين قبلنا؛ لوجدنا أن هناك إفراطاً من جهة, وهناك تفريط من جهة فأرسل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجمع له بين العفو والعدل فكان وسطاً بينهما, إن أخذ فبالعدل وإن عفى فبالفضل.

وفي الدنيا لم نؤمر بالرهبانية، ولا يجوز أن نكون كجشع اليهود وطمعهم, وإنما أحلت لنا الطيبات, وأحلت لنا زينة الله التي أخرج لعباده, ونهينا عن الإسراف والتبذير.

وحتى في الأحكام، وعندما استعرضنا الجواب الصحيح في أحكام الطهارة وقلنا: نحن لا نقص الثوب إذا وقع فيه نجاسة, وفي نفس الوقت لا يجوز أن نصلي وعلينا نجاسة، وإنما نغسله, حتى في القصاص في القتلى، نحن لا نقول: إما أن تعفو ولا شيء لك، وإما أن تقتص، بل وضع الله حلاً وسطاً وهو الدية, فيمكن للإنسان أن يأخذ الدية, فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعلنا بين الأمم وسطاً.

وكذلك أهل السنة والجماعة هم على المنهج الوسط بين أهل الإسلام, فجمعوا من كل طائفة محاسنها وكل حسنة تنسب إلى أي طائفة من الطوائف فلأهل السنة مثلها, وكل شر أو بلاء أو معاصٍ أو فساد يقع في أهل السنة؛ ففي غيرهم من الطوائف مثله وأكثر, وهذا فضل من الله ورحمة بهذه الطائفة المنصورة , فنسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحشرنا معهم، وأن يجعلنا منهم, وأن نكون من المجاهدين في سبيله الذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم حتى يلقون الله عز وجل, والحمد لله رب العالمين.