[خطة تغيير المناهج وفق النظام الدولي]
وهناك موضوع مؤلم جداً, كتب عنه الكاتبون في عكاظ وغيرها, وتحدث عنه بعض الإخوة، ورَدَّ بعض الإخوة على من كتبوا عن هذا الموضوع, وهو موضوع المناهج, وهو موضوع مؤلم جداً , وأوسع وأكبر مما نظن أو نتخيل, إنه موضوع توجه، وإن لم يكن كلياً -وقد يصبح كلياً- فهو بداية خطيرة لتغيير كبير في عقيدة الأمة وولائها وبرائها وانتمائها.
فالمسألة ليست كما نظن أنها مجرد تعديلات خفيفة أو تخفيفات وضعت بغرض التعديل والتغيير، وإنما وضعت بغرض حذف العلوم الإسلامية والمواد الدينية بالدرجة الأولى، وبالذات على الموضوعات المتعلقة بحقيقة التوحيد في هذا العصر، في ضوء الواقع المعاصر الذي نعيشه, وبما يتعلق بالولاء والبراء لليهود والنصارى, فبعض الأحكام الفقهية المهمة في حياتنا، والتي لا بد أن يتعلمها المسلمون، ولا ينبغي أن تخفى عليهم حذفت.
فالحقيقة هذا موضوع جلل يجب علينا أن نتنبه له؛ لأننا إما أن نكون مُعلمين نُعلم الخير ودعاةً إلى الله تبارك وتعالى, وإما أن نكون معلمين في المدارس، وهم -أيضاً- معلمون للخير يجب أن يتنبهوا إلى هذا وينكروا ويستنكروا ذلك.
وكذلك المسئولون عن التعليم في كل مكان، وكذلك نحن آباء, وإن لم نكن آباء فهؤلاء هم من أبنائنا، ولم يتعلموا الحقائق العلمية، وإذا لم يتعلموا الولاء والبراء، وإذا مسخوا وأصبحوا لا يشعرون بأي انتماء لهذه الأمة؛ فماذا نريد منهم أن يكونوا؟! فإن ما يحدث من تغيير في المناهج مرتبط ارتباطاً واضحاً بما يُسمى: عملية السلام، والتطبيع بين المسلمين وبين اليهود والنصارى, وإن شئت تعبيراً أعم, فقل: هو يتعلق بالنظام الدولي الجديد الذي يريد أن يُفرض هيمنته على العالم, ويدعو إلى وحدة إنسانية مشتركة كما يزعمون!! يريدون عالماً يكون فيه الأوائل هم اليهود ثم النصارى , والمسلمون تحت الأقدام, هذا الجديد في النظام الدولي الجديد باختصار.
ما الذي حدث في مناهج أبنائنا؟! أكثرنا لا يدري! ولم يسأل أبناءه عن مناهجهم.
كتاب التوحيد للسنة الثالثة الابتدائية, نسبة الحذف فيه تصل إلى (٦٠%)! يا أهل التوحيد في بلاد التوحيد, (٦٠%) من مقرر التوحيد يحذف! ويبرر الحاذفون -كما ذكر في عكاظ - بأن هذا صعب! سبحان الله! نترك الرياضيات ويراد أن يقرر الإنجليزي والتربية الوطنية والموسيقى والكمبيوتر وما إلى ذلك, والصعب فقط والذي يحذف هو التوحيد, والذي لا يريدونه هو التوحيد, ولا يبقى منه إلا معانٍ عامة.
حذفت منه فوائد كثيرة متنوعة دون بديل لها , وحُذِفَ منه موضوع الشرك الخفي -وهو من أنواع الشرك- مع أنه سهل مفهوم للطلاب, ويقع فيه كثير من الناس.
حذفت أنواع الكفر الأكبر الخمسة.
حذفت القواعد الأربع.
وحذفت نواقض الإسلام العشرة كلها.
فما المقصود من حذف هذه المسائل؟ المقصود هو أن يبقى الإنسان مؤمناً بالله واليوم الآخر إيماناً سطحياً, وإذا سألته قال: أنا أومن بالله واليوم الآخر، وليس لديه إلا مفاهيم عامة لدينه، أما نواقض الإسلام، وأنواع الكفر, وأنواع الشرك، فلا يدري عنها شيئاً، وربما يقع فيها ولا يشعر.
إن الغلو أو ما يسمونه بالتطرف ينتشر في بعض البلدان؛ لأن العقيدة لم تدرس في المناهج, فيأتي شباب لم يدرسوا العقائد، أو درسوا في معاهد قديمة أو جامعات نحت منحىً إرجائياً، فيدرسون الإسلام من زاوية معينة , فيأتي الآخرون ويدرسون الإسلام من زاوية أخرى، فيقع هؤلاء في الغلو وهؤلاء في الغلو.
لكن إذا درَّسنا أبناءنا من الابتدائي أن الكفر درجات وأنواع, فإن الشاب منهم يتخرج وقد صحت نظرته واستقامت، فلا يذهب إلى غلو هؤلاء المرجئة، ولا إلى غلو هؤلاء الخوارج.
فهذا الذي حُذف من المناهج هو الذي يميز بين أهل السنة والجماعة وبين غيرهم، فكيف يحذف ما يتعلق بأنواع الكفر؟ كيف تحذف القواعد الأربع المهمة التي تعتبر من أهم مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، وهي أساس عظيم لا بد منه للعامة وللخاصة؟ ثم تحذف نواقض الإسلام العشرة حتى يرى الإنسان أنه ما زال مسلماً مهما فعل ومهما ارتكب! الفقه نسبة الحذف فيه (٣٠%) تقريباً.
أولاً: حذف باب الجنائز كله, حتى لا يدرس موضوع يُحدث الطلبة عن الموت ويذكرهم بالله، فمتى يسمع أطفالنا المساكين -الذين لا يتربون إلا على أفلام الكرتون وعلى المجلات الفاسدة، وعلى المجالس مع الأمهات والآباء التي لا خير فيها- عن الموت؟ متى يتذكرون الموت؟ متى يعرفون أحكامه؟ ثانياً: حذف اشتراط وجوب المحرم للمرأة في الحج, لأننا في عصر النظام الدولي والتقارب والخادمات، وهذا الموضوع يسبب إشكالاً عند الطالب, فهو يرى الخادمة في البيت ليس معها محرم وتحج مع أمه وأبيه, ولا يمكن أن نطرد الخادمات من البيوت، والأسهل أن تغير المناهج لذلك! ثالثاً: حُذِفت المواقيت، والأنساك الثلاثة، وصفتي الحج والعمرة, أي: حذف الحج كله؛ لأن معرفة الحج تتطلب أن توضح للطالب المواقيت، وتبين له الأنساك الثلاثة، وتبين له صفتي الحج والعمرة، أي: أننا نلغي ركن الحج مرة واحدة.
والأمر هو كما ذكر الإخوة الذين يقومون بتدريس هذه المواد أن كتاب العلوم الدينية لا يعادل كتاب الرياضيات, فهو صغير بالنسبة لحجم كتاب الرياضيات، ثم يحذف منه (٣٠%) وتقطع أوصاله, وهم يقولون: هذه علوم مهمة وعلوم العصر.
الإنسان الآن يعيش في عصر الكمبيوتر, والحاسب والرياضيات وما إلى ذلك! إن الإنسان في كل العصور وفي كل الأحوال أحوج إلى أن يعرف الله، ويعرف الإيمان الصحيح، والتوحيد والشرك والعبادة الصحيحة، وأن يتفقه في الدين, فهو أحوج إليها من حاجته إلى الغذاء والماء والطعام والشراب والهواء -التي قد يعيش ببعضها- إلا الإيمان بالله تبارك وتعالى فهو بغيره حيوان، بل أضل من الأنعام, ولا قيمة له أبداً، وإن كان يشاهد البث المباشر ويأتي الكمبيوتر ويفعل كل شيء ويتحضر، كما يقولون.
فمهما عمل وهو مجرد عن الإيمان بالله عز وجل فلا خير فيه ولا في أعماله في أي حال من الأحوال, بل حتى حياته لا تكون إلا نكداً وضيقاً، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:١٢٤]، نسأل الله العفو والعافية.