[الصبر والمجاهدة تجاه الفساد]
لقد كشفت المؤامرة، وعرف من وراءها، وعرف المخرجون والمنفذون، ولم يسكت المؤمنون الغيورون على هذا الأمر أبداً، ولن نسكت أبداً، والقضية ليست قضية قيادة المرأة للسيارة، إنَّ القضية قيادة الأمة إلى الهاوية، وعندما أفتى العلماء بتحريم قيادة المرأة للسيارة، وصدر بها بيان من وزارة الداخلية، وعقب على ذلك أيضاً وزير الداخلية في مكة -كما سمعتم- ظهر العلمانيون المجرمون لمصادرة هذه الفتوى، وكتبوا وقالوا: إن هذا الأمر قابل للنقاش، وللحوار، وأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والأحوال.
عجيب ما المقصود؟ ولماذا يكتب في جريدة مشهورة، ثم يقرأ عقب الأخبار في التلفزيون، وكأنه تعليق رسمي من الحكومة؟ وكأنه يقول: انتظروا قليلاً، نحن الآن مجبورون أمام هؤلاء، لكن سيموتون هؤلاء الأربعة أو الثلاثة، ويأتي الجيل المرن فيما بعد، وتتغير الفتوى ويكون حلالاً.
وضربوا أمثلة، قالوا: تعليم المرأة كان مرفوضاً ثم أبيح، وظهور المرأة في التلفزيون كذلك وذكروا كثيراً من المنكرات، التي تغيرت الفتوى فيها، أو الزمن غيرها ثم أُقرت.
نقول: خاب ظنكم! وخاب شأنكم! ووالله لا يكون إن شاء الله، ونحن الشباب المسلم -والحمد لله- كثير وكثير جداً، بل نحن الأمة كلها قد عاهدنا الله ألا يتم ذلك، بل المرأة المسلمة الغيورة استنكرت، وكثيرٌ منهنَّ لم تستنكر لعفافها ولكن لا يخرج عنها علم أو خبر.
وإلا لو كانت المسألة كما في المجتمعات الأخرى مظاهرة ويرد عليها بمظاهرة، لكان بإمكان العلماء والدعاة أن يخرجوا مقابل أربعين، أو بضع وأربعين عاهرة أو فاسقة، أو فاجرة -أياً كانت- أن يخرجوا ثمانية ملايين امرأة، إن كان عدد النساء عندنا ثمانية ملايين، لكن نحن لا نرى أسلوب المظاهرات أصلاً.
وهم يقولون: إن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، نقول: نعم! لن تعود أبداً بل بدأت -والحمد لله- تدور إلى الأمام في مصر، والجزائر، والمغرب، وتركيا، وأفغانستان وفي كل مكان، بدأت المرأة المسلمة تعود إلى حجابها وتعرف دينها، حتى في الأرض المحتلة في فلسطين المحتلة، وحتى في غيرها من البلاد -والحمد لله- بل حتى الفتيات المؤمنات داخل المجتمع الغربي الكافر نفسه، بدأت المرأة المؤمنة تعرف أنها مؤمنة، وتتمسك بحجابها في تلك الدول، هنالك في تلك المجتمعات؛ والطفلة فاطمة التي هزت فرنسا وغيرها من الأمثلة على ذلك -والحمد لله- فنعم، عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، وقد بدأت مسيرة الإيمان إلى الأمام، والمسألة ليست عقارب ساعة، لكن المسألة هي مسألة غفلة وران تجتاح القلوب بالمعاصي والذنوب، وبحب الشهوات، وبأكل الربا، وبالانحراف عن شرع الله، وبعدم تحكيم شرع الله وإقامة دينه.
ولكن هذه الأمة تفيق وسرعان ما تفيق، وإذا أفاقت؛ فإنها تُحِكِّمُ كل القيود، وتفجر كل السدود بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا ما نص عليه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين}، وفي رواية {يقاتلون على أمر الله، لا يضرهم من خالفهم} لا يضرهم من خالفهم كائناً من كان، الشرق أو الغرب، حتى يأتي أمر الله، فيستمرون والغلبة لهم، وما مر بهذه الأمة مرحلة ضعف وخذلان، إلا وعقبها يقظة ونهضة قوية، وأعقبها غسل للعار، وأخذ بالثأر من كل مجرم جعل عرضها أو دينها أو شرعها مهزلة أو سخرية.
هذه حقائق يجب أن يعلمها أولئك، ويجب أن يعلمها الشباب وبالذات في هذا البلد الحرام.
أقول: إن ما بلغني وما سمعته من استنكار شديد في أوساط الشباب، والمشايخ وعلى رأسهم العلماء والحمد لله، العلماء في محكمة التمييز، وفي شئون الحرمين، وفي الجامعة وفي كل مكان من هذا البلد، الدعاة والطالبات والمدرسات في الكليات، أقول: هو خير كبير ومع ذلك لا يكفي بالنسبة إلى إنكار غيرها من المدن، يجب أن يكون هذا البلد الحرام هو المتصدر الأول للإنكار على هذا المنكر.
هذا البلد الذي انطلقت منه دعوة الخير والنور، والهدى يجب أن يكون أكثر المدن إنكاراً لهذا الفساد العظيم، وأكثر مطالبة لحكم الله، لا نطالب إلا بحكم الله في كل قضية، حكم الله عز وجل، أما تعهد فهذا لا ينفع نحن نريد حكم الله وشرعة، وما يحكم به القضاة في كل المسائل التي تعرض عليهم من شرع الله نرضى به ولا بد أن نرضى به في هذه المسألة، ولا يمكن، ولا ينبغي، ولا يحق لأي مؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن طالب بحكم الله فما ظلم ولا تجنى على أحد.
نطالب وبكل شدة وإلحاح، وسنستمر في المطالبة بأن يعرضن على شرع الله، وإن لم يحاكمن، وإن لم تقم تحتسب الجهات المسئولة بإقامة دعوى عليهن، فلا يجوز لنا أن نسكت، وسنأثم -جميعاً- إن لم يكن منا من يحتسب عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويقيم الدعوى لوجه الله.
وعلى النائب أو المدعي العام أن يستمع الدعوى، وأن يرفعها ويوصلها إلى القضاء، وتكون محاكمة بين هذا المحتسب أو المحتسبين، وليكونوا من علمائنا الأجلاء والحمد لله، فليحتسبوا هم بإقامة هذه الدعوى، ليرفعهم الله بها في الدنيا والآخرة، ثم حكم الله يمضي، ولا نعيد الكرة، لا نعيد ما حدث في ملف الحداثة، وماقبله مما نشر من إلحاد وكفر وضلال، فهذا البلد -والحمد لله- ما قام إلا على التوحيد والسنة، وسيستمر على التوحيد والسنة، رغم أنوف الكائدين والحاسدين من المنافقين هنا، {أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} [الأحزاب:٦١]، ومن الأعداء هنالك الذين يحركونهم ويشجعونهم، وسيرغم الله تبارك وتعالى أنوفهم بنصرة دينه وإقامته.