للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مضمون النصيحة]

إخوتي الكرام: إن الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى واجب علينا جميعاً، ولا يخفى على أحد منا فضلها وأهميتها, ولكن يجب علينا أن نضبطها بمنهاج النبوة، حتى تكون الدعوة على منهاج النبوة وعلى سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل حتى تكُون موافقة لسنن الله تعالى في المجتمعات، وفي الكون؛ فإن لله تعالى سنناً، وهذه السنن اتبعها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعوته، فكانت مراحل كما تعلمون.

ومن ذلك أن الجهاد إنما يأتي في مرحلة تالية، في مرحلة تكون السُنَّة الربانية فيها أقرب إلى التحقق، ولسنا أياً من كنا بأشد شوقاً وأكثر تلهفاً إلى الجهاد في سبيل الله، وإقامة دين الله من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع ذلك كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرهم في أول الأمر بكف اليد، ويقول: إني لم أؤمر بذلك، حتى هيأ الله تعالى له ما أراد بالهجرة، وما يسر له من إقامة الدولة، وأن يكون هو رأسها وسيدها، فعندئذ أنزل الله تبارك وتعالى قوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج:٣٩]، وهكذا كان ابتداء الجهاد إذناً وليس أمراً، والإذن إنما يكون بناء على طلب، وتلهف، وتشوق من الناس إليه، وهذا ما حدث في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وفضل الجهاد وأثره العظيم لا ينكر، ولو خصصنا محاضرات وكتب في فضله وفوائده للأمة ما أتينا عليها، لكن هذه كلها يجب أن لا تنسينا حقائق لا بد من معرفتها ونحن نتعامل في حقل الدعوة إلى الله، وهي أن مرحلة الصبر والبلاغ والدعوة، والنذارة، هذه مرحلة لا بد أن تسبق ذلك كله، وهذه مرحلة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتجاوز، وهي التي قال فيها رسل الله لأقوامهم: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا} [إبراهيم:١٢].

حتى لو آذونا وسجنونا، وسجنوا من سجنوا، وآذوا من آذوا، لا عمل لنا إلا الصبر والبلاغ وإقامة الحجة، حتى يفتح الله تعالى بيننا وبينهم بالحق وهو خير الفاتحين، أما استعجال سنن الله تبارك وتعالى، وتوريط الأمة في مشاكل لا ندرك ولا نضمن عاقبتها، فهذا شيء يجب أن ندركه جميعاً، لا أقول في اليمن وحده، بل في كل مكان، ويجب أن نعلم أن هناك عقبات لا يصح معها أن يعلن الجهاد المسلح في هذا البلد الذي نحن حريصون كل الحرص أن يحكمه الإسلام في أقرب لحظة، وهذا الذي ندين الله تعالى به جميعاً، وهذا ما نريده لكل بلد في هذه الأرض ألا يحكم إلا بما أنزل الله.

لكن لا بد من التنبه إلى الأوضاع الدولية، والنظر إلى العقبات الخارجية، فهل تسمح الأوضاع الدولية الآن بوجود جهاد مستقل؛ لإعلاء كلمة الله وإقامة دينه، وسوف يكون التعاون بين الحكومة القائمة وبين الشرق أو الغرب، بين قوى نعلمها ولا نعلمها في سبيل القضاء على هذا الجهاد، لأن الغرب والقوى الدولية لا يريدون أن تتكرر مأساة أفغانستان أو إرتيريا , فهم حريصون على طمس هذا الجهاد هنا وهناك، في الفلبين أو في غيرها، هل يسمحون بالجهاد أن يكون في بلد مهم له موقعه المهم كـ اليمن، لا يكون ذلك أبداً.

أهم من ذلك -في نظري مثلاً- هل إمكانيات الدعاة ووسائلهم تتيح لهم ذلك، لنكن موضوعيون فيما نعلم وما يظهر لنا، الدعاة لا يملكون العدد الكافي، والدعاة -أيضاً- لا يملكون الإعلام والجيش الكافي، وكثير من الناس لا يعلم عنك أي شيء، وكيف يتعاطف معك وهو لا يعلم عنك أي شيء.

والدعاة -أيضاً- لا يملكون الاقتصاد والمال اللازم، وهكذا أمور كثيرة، على أن أهم من ذلك أيضاً أن نقول ما المقصود بالجهاد؟ إن كان المقصود به إعلاء كلمة الله؛ فإن أهم ما تعلى به كلمة الله تبارك وتعالى هو تصحيح العقيدة في قلوب الناس، كما بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذاً إلى اليمن فقال له: {فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله}، وفي رواية: {إلى أن يوحدوا الله}، إلى أن يعبد الله وحده لا شريك له، هذه أول دعوة، أن نعلم الناس العقيدة الصحيحة، ونفهمهم إياها حتى يتفقهوا فيها، ويعرفوا من يوالون ومن يعادون فيها، وحتى نضمن أنهم إن جاهدوا جاهدوا لله لا لغرض أو مطمع دنيوي.

ولا سيما في بيئة معقدة متشابكة كبيئة اليمن، فيها نواحي قبلية ونواحي طائفية، ونواحي مذهبية، وفيها أمور لا يستطيع الإنسان معها أو لا يضمن فيها ولاءً من أحد، وأيام الحرب بين الملكيين والجمهوريين، كان الأمر كان واضحاً، فالقبيلة إن أعطاها الملكيون المال انضمت إليهم، وإن أعطاها الجمهوريون انضمت إليهم، فالنفوس إن لم تكن صادقة متربية مزكاة بتقوى الله، كيف نضمن أنها تقف معنا، وإن وقفت في أول الأمر، أو جاءت بعض الأسباب التي نراها تشجعنا أن نجاهد أو أن نبدأ الجهاد، نحن نخشى أن تتحول العملية -لو قامت وإن شاء الله لن تقوم إلى العكس بل سيفكر الإخوة كثيراً في ذلك- إلى جاهلية وقبلية عنصرية، لا ندري، فقد ينفرط الحبل والزمام، ولا يكون بمقدورنا أن نسيطر عليه، وتتدخل القوى العظمى الخبيثة، لصالح طرف على طرف، أو تتحول اليمن إلى لبنان أخرى، أو أي بلد وهي حريصة على ذلك كما هي حريصة أن تفعل ذلك في السودان وفي أثيوبيا وفي غيرها.

فمن المشاكل التي سوف تترتب على قيام مثل هذا: الفرقة بين المسلمين، وكفانا فرقة, وأكثر الدعاة، والمسلمين لن يوافق على هذا الأمر، فسوف يكون هناك من الفرقة بين المسلمين ما نحن في غنى عنه في هذه اللحظة، ولن تكون إلا الفرقة، ولن يكون مثل هذا العمل الذي يختلف الناس إلى نقيضين إلا عند غياب الشورى، فلو كانت الشورى بين الدعاة في الأمور الاجتهادية, ثم الرجوع إلى العلماء في الأمور النصية، ومشاورة أهل العلم في كل مكان لأن الدعوة تهم الجميع في كل مكان؛ فهذا هو الذي يجمع الأمة ويوحد رأيها.

أما أن ينفرد أحد برأيه بجهاد أو حتى بدعوة، ويرى الآخرين رأياً آخر، ولا يكون هناك تواصل وشورى لأخذ هذا الأمر وهم في بلد واحد، فإن هذا يؤدي إلى تفريق الأمة، وإلى تمزيق كلمتها، ونحن نعلم من واقع اليمن وهذا يؤلمنا ولكن هذا واقع أكثر العالم الإسلامي -أن القبيلة أو المحافظة أو اللواء قد لا يكون فيها عالم، بل ربما طالب علم، لا يدرك إلا بعض ما يؤدي به الواجب، فالجهاد إذالم يكن هناك علماء يقودونه ويوجهونه، كيف نضمن له أن يستمر، وكيف نضمن له أن ينتصر؟! فالمربي مفقود، بل أكثر من ذلك القائد وهو الذي يكون مربياً وزيادة مفقود، إذ من المربين من لا يكون على قدر من العلم يؤهله في أن يقود طائفة، أو يربي جماعة في مسجد، أو جماعة من الشباب، أو حلقات علم، كيف يربي أمة؟! هذا أمر ليس بالأمر الهين، فحينئذ تضيع الأمور، ويأتي علماء السوء أو من أمثالهم، فيفتوا ضد هذه الأعمال، فتكون المأساة التي نسأل الله تعالى ألا تكون.

وقد يقول البعض إلى متى نظل نربي؟ فنقول: نحن لا نستعجل أمر الله، نحن واثقون بوعد الله بالنصر لمن قام بهذا الدين، وكما جاء في الحديث الصحيح: {رأيت النبي ومعه الرجل والرجلان والرهط، ورأيت النبي وليس معه أحد} بعض الأنبياء ما آمن به أحد، وما تبعه أحد، فعلينا ألا نستبطئ نصر الله، ولا نستعجل وعد الله، وأن نستمر في التربية والتزكية، والتفقه في الدين، وتصحيح العقيدة، والصبر على المخالفين في العقيدة، وفي المنكرات التي يجاهرون بها، حتى يفتح الله سبحانه قلوبهم للخير، وحتى تتكون قاعدة عريضة يمكن أن تقوم بدين الله سبحانه ولا تحوجنا إلى هذه الجهود التي لا ندري كيف تكون نهايتها, أو ما هو مصير هذه الأمور لو قامت؟! وأنا أرى أن القياس على أفغانستان أو على غيرها في غير محله، لأن أفغانستان العدو واضح، هو روسي شيوعي جاء بدباباته واحتل البلد، أما هنا فإن القضية ملبس عليها، فإن الحكومة تدعي أنها إسلامية, وتقول إن الدستور إسلامي، ومن العلماء من يؤيدها؛ فلا نقيس ذلك على أفغانستان، ولا على غيرها ولا ما أشبهها.

وقد يقول البعض: ما هو البديل؟ هل ننضم للأحزاب السياسية وندخل البرلمان، ونتحول للعمل السياسي؟ فنقول: لا أيضاً, فليس هذا المقصود، إنما نريد دعوة على منهاج النبوة تبدأ بتصحيح العقيدة، وتفقيه الناس في دينهم وتعليم سنة نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتفتح هذه الحلقات الطيبة المباركة، من توعية الناس وتعليمهم وتثقيفهم في المحافظات، في الألوية، وفي القرى، وفي كل مكان بقدر الاستطاعة، وعن طريق المعاهد، وعن طريق تحفيظ القرآن، وعن طريق نشر الأشرطة، ونشر الكتيبات وتوعية الناس، دعوة تقوم وتحتسب وتصبر على الأذى, فهذه هي القاعدة الأساسية التي نريدها.

أما ما يتعلق بالعمل السياسي وما تورطت فيه بعض الأحزاب من العمل السياسي، فنقول يجب أن تكون الأمور شورى، أن يستشيروا بعض، ويتشاوروا ويتباحثوا في مفاسدها ومصالحها، وهذه مسألة أخرى تحتاج إلى تفصيل وإلى بحث طويل، لأن هذه المشاركة قد يكون فيها بعض المصالح، ولكن في نفس الوقت فيها مفاسد واضحة لا تخفى على أي أحد.

فلا بد أن تدرس هذه الأمور بعناية.

وأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا للعمل الصالح وللصواب، وأن يجعل دعوتنا كلها خالصة لوجهة الكريم، إنه سميع مجيب.