ثم يقول:{يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني}، فهذا النداء السادس يبين لنا الفارق بين رب العالمين، وبين العبيد، وهو أن العبيد لن يضروا الله شيئا، فمن كفر فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله تبارك وتعالى شيئاً أبداً، ولو أراد أحدٌ أن ينفع الله تبارك وتعالى، فهل ينفع رب العالمين بشيء؟! لا، لأنك أنت الفقير وأنت المحتاج إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
{يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني}، فلماذا إذاً يفكر العباد في أن يُعَادْوا ربهم -عز وجل- ويحاربوه، ويعاندوه ويستكبروا على دينه؟! أيظنون أنهم يضرونه؟ لا يضرون إلا أنفسهم فيقول الله لهم:{لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني}.
فلو أن أحداً ظن بعقله القاصر، وبذهنه الكليل أنه قد ينفع الله، فإنه لن ينفع الله تبارك وتعالى بشيء، فهو الغني الحميد، والعباد هم الفقراء إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ثم وضحَّ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ذلك وجلَّاه وبيَّنه فيما بعد، فقال:{يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً}.
فسبحان الله! لو أن هؤلاء جميعاً، الأولين والآخرين، الإنس والجن، كانوا على أتقى قلب رجل واحد -ولا أتقى من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما زاد ذلك في ملك الله تبارك وتعالى شيئاً أبداًَ.
فلا يزيد ملكه بالطاعة، ولا ينقص بالمعصية، كما قال بعد ذلك:{يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً}.
فهو الغني عن الطاعة إن أطعنا، وهو الغني عن المعصية إن عصينا، وهو الذي لا تنفعه تلك الطاعة، ولا تضره هذه المعصية أبداً.
فإن نفع الطاعة وفائدتها هي للعبد، لك أيها العبد العاجز الضعيف، ومن تضر المعاصي؟ تضرك أنت أيها العاصي، العبد العاجز الضعيف، فإذا تدبر الإنسان هذه المعاني, وعلم ذلك، وعلم مقدار جنايته على نفسه حين يعصي ربه عز وجل، وعلم أنه فرط في حق نفسه وفرط في حق ربه -تبارك وتعالى- لما جاهره وحاربه وتنكَّب طريق هداه، فهو بهذا لن يضر إلا نفسه، وربه تبارك وتعالى غني عنه.