للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحماس الكاذب]

إن الشباب المسلم تعصف بهم العواطف من كل جهة، فإن هبت الرياح لطلب العلم وجدت الاعتكاف الشديد، والنهم الذي يقبل به بعض الشباب -وهم مشكورون على هذا الحرص- لكن نجد الإقبال الذي يعقبه الفتور، فهذا يقرر أن يحفظ القرآن الكريم كاملاً ومعه كذا وكذا من الأحاديث، وهذا يقرر أن يرحل إلى أحد العلماء وينقطع عن الحياة ليتلقى على يديه، ويجتهد الجميع أول الأمر ثم يعقب ذلك فتور، ثم مراجعة الحساب، ثم يقول: كنت مخطئاً، وكثيراً ما نسمع مثل هذا: أخطأت، تسرعت، استعجلت، لم أفِ بوقتي، لم أكسب، ولم أحصل على ما أردت، أو ربما دفع به اليأس إلى الانقطاع الكلي.

وإذا هبت الرياح لإنكار المنكر -وهو حق لا شك فيه ولا مرية- والمنكرات تزحف علينا في كل مكان، بل قد اقتحمت بيوتنا ومكتباتنا، وشوارعنا، فأمة مستهدفة من كل مكان، فماذا يفعل الإنسان، في أي جبهة نصارع، وأي ملة نكافح، وأي عدو نتصدى له؟ في كل مكان يضطرب الشاب يميناً ويساراً، وتكون النتيجة في النهاية قريبة مما أشرنا إليه في طلب العلم.

وكذلك في الدعوة: يأتي بعض الإخوة الكرام ويعجبون من تقصير الدعاة في نشر الدعوة إلى الله، مع أننا نحن أمة الخير كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:١١٠] نحن أمة الدعوة، وأمة الجهاد كما قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:١٠٤] وقال أيضاَ: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨].

إن الإنسان ليعجب أن يرى الجهل في العقيدة، وكذلك في الأحكام الظاهرة، متفشياً ومنتشراً من حوله، وفي بيئته وما جاورها، وفي الأصقاع البعيدة أشد وأشد، ثم يقول: كل هؤلاء يعبدون الله على ضلالة وجهل، وكثيراً ما يقال: وهذه الملايين المشركة الملحدة مسئولية من؟! أليست مسئوليتنا؟! فيندفع الشاب باندفاع عاطفي، ويذهب ذات اليمين وذات الشمال، ويضع المشاريع الطويلة الكبيرة التي يخيل إليه بعدها أن الناس سيهتدون، أو أن بلاداً ستفتح للدعوة، ثم في ساحة العمل، وفي حقيقة الميدان يفاجأ بعد سنوات، وإذا به وحده، أو معه قلة، أو معه جهود لا تكاد تذكر، وإذا به لم يزرع شيئاً، ثم يأتي ويقول: ماذا أصنع؟ لم لا يكتب لنا منهج محدد؟ لم لا نفعل؟! أقول: هذا واقع موجود، وإلا فالحمد لله فإن هناك السائرون على المنهج السليم المحكم، الرتيب الهادئ، الذي لا تدفعه العاطفة ولا تحركه النوازع الارتجالية أو المؤقتة، هذا موجود -والحمد لله- وثمراته ظاهرة، وهم منارات الطريق للبقية الحائر والشباب التائه.