فإذا قلَّت النعمة وإذا لم تنزل الأمطار وإذا قلَّت البركة، فإلى من يرجع الأمر؟ إلى ذنوبنا.
فيجب أن يعلم العبد أن ما أصابه من خير فمن ربه، ولكن ما أصابه من شر فمن ذنبه {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}[الجن:١٧]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأعراف:٩٦].
لا تنفد خزائنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن إذا لم يؤمنوا لم يتقوا وكذبوا، فيأخذهم بما كانوا يكسبون، بذنوبهم، ومع ذلك {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}[المائدة:١٥]، {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ}[الشورى:٣٤].
فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يتجاوز وهو كريم، كرمه لا يُحد ولا يُوصف، وكما أشرنا فإنه لا يمد المؤمنين ويرزقهم ويغيثهم فحسب، بل حتى الكافرين إذا أخلصوا في الدعاء إليه.
وكذلك ليست نعمته وكرمه ورحمته خاصة بالمتقين، بل يفتح الباب للمجرمين وللمذنبين وللمدبرين أن تعالوا ويناديهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: يا عبادي يا عبادي.
الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال في مثل هذه الحالة:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}[الفرقان:٧٠] سبحان الله! كان يكفينا أن نعلم أننا إذا تبنا وآمنا وعملنا الصالحات أن يعفو عنا، اللهم لك الحمد عفوت عنا، ولكن ليس كرمه عند هذا الحد، بل يتكرم بالعفو عنا ويتكرم بأن يُبدل تلك السيئات حسنات، الكفة التي كانت على الشمال مثل الجبال تتحول إلى اليمين إلى الحسنات مثل الجبال أيضاً، بماذا؟ بأن نتوب إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن نستغفر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فالله تعالى {يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل}، سبحان الله! غني عنا، وغني عن عبادتنا، وغني عن طاعتنا لا تضره معصيتنا ولا يبالي بنا.
ولكن لو عصيناه لم يبال بأي واد هلكنا، ومع ذلك يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.
الله أكبر! ما أكرم هذا الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.