الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن من نعمة الله علينا أن يجد الإنسان إخوة في الله يسكنون متجاورين متعاونين على تقوى الله وطاعته، يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر، ويُذكِّر بعضهم بعضاً، فالعمر محدود، والرحيل قريب، والراحلون إلى الدار الآخرة يزيدون المؤمن إيماناً بضرورة الجد والعمل وقصر الأمل، ويذكرون الغافل عن الله وآياته، والمضيع للعمر في اللهو واللعب وما لا يجدي بحتمية هذا المصير.
فإذا وُجِدَ الإنسان إخوة في الله يدرس ويسكن معهم، فإنهم يعينونه على تقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وما يقرب إليه، ويذكِّرونه بأمر الله، فهي نعمة كبرى خاصة في هذا الزمن، الذي تكالبت فيه الفتن واشرأبت بأعناقها من كل مكان، وحوصر الشباب المسلم في نفسه وما حوله من كل جهة لكي ينجرف وينحرف وراء الشهوات والضلالات والبدع، فجديرٌ بنا في هذا العصر أن نتآخى في الله، وأن نتعاون في ذاته، وأن نضحي لكي ينقذ كل منا نفسه وأخاه.
والمتأمل في عمر الإنسان يجده معدوداً محدوداً قصيراً؛ إذ أن سنوات الطالب الجامعي أربع سنوات، وهي قليلة جداً في حساب الزمن، فإذا نظرنا إلى العمر وأنه قليل، فإنها تكون قليلة من ذلك القليل.
فعلى الإنسان أن يتقي الله في هذا العمر، وأن يجعل هذه السنين مناسبة عظيمة، وفرصة كبرى، وغنيمة يغتنمها؛ لكي يتعلم ما ينفعه، ويقربه إلى الله، ولكي يستعد للدعوة إلى الله على منهاج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالآن تستطيع أن تسأل وأن تتردد على حِلَقِ الذكر، وتذهب إلى من تريد لتستفيد منه علماً وخيراً، وتستطيع أن تدعو إلى الله، وإن أخطأت أو تجاوزت فإن ذلك يكون في هذه الفترة مقبولاً منك؛ لأنك في مرحلة الطلب.
وأنت أيضاً -غالباً- متفرغ للدراسة، فلا مشاغل عائلية، ولا أعباء ولا مشكلات، ولكن حالك إذا تخَّرجت وعدت إلى بلدك سيتغير، فستخرج إلى الحياة العامة، وستنشغل بالأهل وأعباء الحياة، وستكثر عليك المسئوليات، وعندئذٍ ستندم على ساعات أو ليالي أو أيام مضت في السكن لم تستفد منها، فالعاجز يندم على تفريطه، والمجد يندم على عدم اجتهاده أكثر، وهي تجربة يشعر بها كل من مر بها، ويندم ويتأسف على تلك الأيام أن لو اغتنمناها أكثر فأكثر، حيث ثورة الشباب والفراغ، وحيث الإخوة في الله، وإمكانية التقويم والتصحيح، وحيث إمكانية السؤال.