الصنف الثالث: وهذا الذي مشكلتنا اليوم معه وإن كانت مشكلة الشباب من الصنف الأول الآن في نظري أهم، فمشكلتنا معهم أهم وأخطر من مشكلتنا مع المعرضين عن الحق، لأننا لو ربَّينا هؤلاء بالحكمة، بأن نعايشهم، وأن نعاني ما يعانون، وأن نعيش مشاكلهم، وأن نوجههم بالدليل، لتغير ذلك تماماً، لكن كأننا الآن ننصرف إلى أن ندعو الفجار، والفساق، فنكسب للدعوة أعداداًَ وأفواجاً جديدة من الناس ليستقيموا، ونحن لم نقم بواجب التربية الحقة مع هؤلاء الذين يأتون ويريدون أن نوضح لهم: بم يبدءون؟ وكيف يتعلمون؟ وكيف يدعون؟ فقد ننشغل عنهم، ونذهب إلى ذلك المعرض ونفرح بأنه تاب ورجع إلى الله، ولاشك أن هذا أمر عظيم أن يتوب أهل الفسوق، ولكن هذا لا يشغلنا عن هؤلاء.
فأقول أيضاً: مشكلتنا مع الصنف المعاند المعارض، أن من الناس من لا يدعوهم إلى الله، ويظن أنه داعية، ونعني بهم الذين يظنون أن الدعوة إلى الله هي موعظة، هي تعليم في المسجد فقط، وهذه الموعظة لايسمعها إلا طلبة العلم، وهذا العلم لايحضره إلا طلبة العلم، لا.
ليس هذا، بل يجب أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وأن نواجه هؤلاء المعرضين عن الله، فندعوهم إلى الطريق المستقيم، ومن الناس من يدعوهم ولكن على غير المنهج الصحيح، فكيف ندعوهم؟ ندعوهم ونجادلهم بالتي هي أحسن، وليس بالمجادلة الحسنة فقط، ولكن بالتي هي أحسن، كما قال الله تعالى -أيضاً- في حث أهل الكتاب:{وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[العنكبوت:٤٦]، الذين يقولون: عيسى بن الله، وعزيز بن الله والذين قال الله عنهم:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) [التوبة:٣١].
فالمعارضون لك، الذين قد لا تطمع على الإطلاق في أن يهتدوا، ولكن ترضي ربك بإقامة الحجة عليهم، وتبين لهم أنك على الحق، وتبين لهم أنهم على الباطل، كيف تدعوهم إلى الله؟ تدعوهم إليه بالمجادلة بالتي هي أحسن، تقول: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ:٢٤] هات ما عندك، لا تتهرب مني هات ما عندك نتناقش، نتباحث نصل -إن شاء الله- إلى الحق.
أحدهم يقول لك: هذا ليس حراماً، تقول له: الحرام ما حرمه الله، والحلال ما أحله الله، اسمع إلى قول ربك عز وجل، اسمع إلى قول نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتعرض عليه الأدلة من الكتاب والسنة التي تبين له أن هذا حرام، ثم تعرض له مفاسد ذلك ومخاطره، وغضب الله -عز وجل- على من فعله وهكذا.
فيقول لك: لا! هذا يجوز، هذا فيه اختلاف، اختلف العلماء، إنما أنتم متشددون، يجادلك، فعليك أن تجادله، بالتي هي أحسن، ولو ثرت وغضبت، وانفعلت، لخسرت هذا الرجل ربما إلى الأبد، نسأل الله العفو والعافية.
فيجب أن تكون بالتي هي أحسن، فإذا كانت الدعوة إلى الله على بصيرة وبحكمة، وكانت بحسب أحوال الناس، وبحسب مواقفهم من هذه الدعوة، ووضعت كل أمر في موضعه، وكل كلمةٍ أو موعظةٍ أو عملٍ في موضعه الصحيح، ونظرت إلى عمل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلمت أن حياته كلها دعوة، وأنه في كل أحواله داعية إلى الله، وأنه قدوة لك في كل هذه الأمور، ووفقك الله عز وجل إلى أن تعرف اللين، وأين تضع الرفق، وأين تنزل كل دليل من أدلة السنة والسيرة في محله الصحيح، فهذا هو الذي وفق إلى الخير.
نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعلنا وإياكم جميعاً من الموفقين لذلك، وأن يبصرنا بديننا وبدعوتنا إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.