للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إيجابيات وسلبيات التسجيلات والتعامل معها]

السؤال

الإخوان أصحاب التسجيلات جزاهم الله خيراً يقولون: عندما تكلمنا على حق المسلم وحفظ عرضه ونقل كلامه، يقولون: قد يلحقهم شيء من ذلك لأنهم يسجلون؟

الجواب

حقيقة بغض النظر عن الفتوى فيها، فالآن أنا أقول: إن من مصائب هذا العصر المسجلات، ففي العصر الأول كان العلماء في راحة وكان الدعاة والمفتون في راحة.

يقولون القول ويسمعه تلاميذهم، بل كان بعض العلماء يشترط ألاَّ ينقل عنه إلا تلاميذ معينون، وكثير من العلماء الثقات الجبال ما كان يسمح لأي أحد أن يروي عنه أصلاً أو ينقل عنه، لكن نحن الآن كل كلامنا يسجل فهي نعمة لا ننكرها، لكن كل نعمة تقابلها نقمة.

فمن نعم الله انتشار هذه الوسائل، فالإنسان يقول الكلمة، فبدلاً أن ينفع الله بها (١٠٠) أو (٢٠٠) أو (١٠٠٠) الذين حضروا في المسجد، فقد ينتفع بها (١٠٠٠٠٠) بإذن الله ممن يسمع الشريط.

وأما جانب النقمة التي فيها فهي أن الخطأ قد ينتشر، وأن الكلمة قد تنتشر أيضاً.

فلو قال قائل: قال الله ويأتي بحديث، وهذا يقول: قال رسول الله ويأتي بآية، فالخطأ ممكن في أي شيء، فتكون فرصة للمتربص وللحاقد والنمام.

وأيضاً: قد يَضل أحد بناءً على كلام غير محرر، لأن الكلام المحرر المكتوب المؤصل غير الكلام الملقى، فالكلام الملقى دائماً يعتمد على ذاكرة الإنسان المعرضة للسهو، لكن ما يكتب ويراجع فإن السهو قليل فيه، ومع الأسف فإن الناس اليوم يستسهلون ما يسمعون من الفتاوى والمواعظ، أما الفتاوى المكتوبة فإنها لا تُنشر إلا قليلاً، مع أنها هي التي ينبغي أن نحرص عليها لأنها مكتوبة ومنضبطة بعكس الكلام الملقى، فقد يقول: رواه البخاري، وهو يقصد الترمذي، ويقول: ضعيف وهو صحيح، فينتج عنه شيء من المفاسد، وهو ما يجعل بعض الإخوان في التسجيلات يقولوا نحن السبب في ذلك؟ ونحن نقول لهم: اتقوا الله ما استطعتم، واحرصوا على أن تتأكدوا، والأمور التي قد تلبس أو تنشر الفتنة، أو شريط لرجلٍ ما غير معروف فلا تنشروها.

فلو دققنا وطبقنا تعامل السلف الصالح فبمجرد أن الشخص مجهول فإنهم لا يتعاملون معه، وانظروا في كتب الرجال كم بها من مجهول، فما قالوا: فيه شر، أو فاجر مبتدع ظالم، بل مجهول، فلكونه مجهولاً أقصي، فلو جاءك شريط لمجهول وهذا الشريط فيه طعن وسب وفيه فتاوى، فبمجرد أنه مجهول لا تعرفه ولا تعرف حقيقته فينبغي أن تتثبت.

إذا أخذت الآية قول المجهولين في المعروفين فمن يبقى؟ ولكان الكلام في العلماء سهلاً حتى من أصحاب المقاهي ونحوهم، فإذا ُصدِقَ الكلام وانتشر فمن يبقى لنا؟! فيقال: إن هناك شخصاً تكلم في المشايخ، فحين تسأل عنه لا تعرف سابقته ولا علمه ولا خيره ولا فضله، بمجرد أنه قال ما قال نشر قوله.

فينبغي لإخواننا أهل التسجيلات أن يتقوا الله وأن يتريثوا، وألا يكون الدافع المادي هو الهدف الأساسي، ولكنه موجود عند البعض على الأقل، أو مجرد أن هذا الشريط يشترى فنبيعه، وإن كان فيه أخطاء، ومادته العلمية ضعيفة، وفيه انحراف وجرح وطعن وتشويه للدعاة وضرر على الدعوة لكنه يشترى فنبيعه، فلا يجوز أن يكون الهدف المادي هو الأساس، لأن هذا علم مما يبتغى به وجه الله، فمن جعله وسيلة لكسب الدنيا الرخيصة ناله الوعيد.

فحقيقةً إن موضوع التسجيلات مالها وما عليها، وكذلك موضوع التسجيل ماله وما عليه يحتاج إلى ضوابط معينة في سماع الكلام وفي سماع الأشرطة، بخلاف الشيء المكتوب، فإذا نسبت إلى أحد ما كتبه وقاله وحرره، أو الكلام المكرر بالذات فلا بأس، بخلاف مجرد الكلام في شريط، أي: إذا كان للإنسان آراء تعلم أنه يعتقدها ويكررها ويدين بها ويقولها فلا بأس أن تأخذها، أما كلام في شريط مثلاً أو كلمة واحدة أو مقالة تحتمل عدة تأويلات، فتبني عليها قاعدة كبرى، وتترك القطعيات الواضحة في كلامه هذا لا يصح، وهي محتاجة إلى ضوابط لعل الله ييسر بها.