ثانياً: الاعتراف
النوع الآخر: اتجهوا إلى أن هذا الكون له حكمة، والوجود له غاية؛ لكنهم لما كانوا لا يؤمنون بالله الإيمان الصحيح، ولا يؤمنون بالإسلام الذي يملك الإجابة الصحيحة على كل شيء؛ أخذوا يتخبطون أو يأتون بإجابات مجملة، ومن ذلك: أن كثيراً من العلماء الذين أقروا على الإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، على أساس أن لهذا الكون إله، ولكن ماذا يعمل الإنسان؟ لم يجدوا الجواب، فأخذوا يقولون: عليه أن يحقق السلام، وعليه أن يبحث عن الطمأنينة، وعليه أن يفعل كذا.
فهم لا يجدون الإجابات؛ لأنهم لا يملكون ذلك؛ فتركوها وأعرضوا عنها.
ومن هؤلاء العلماء الذين أدهشتهم دقة الكون وعجائب الكون أحد العلماء الأمريكيين الكبار، صاحب الكتاب الذي ترجم باسم: العلم يدعو إلى الإيمان وهو كريس مرسون، فهذا الرجل رد على هكسلي زعيم الإلحاد، فقد كتب هكسلي كتاباً اسمه: الإنسان يقوم وحده؛ فرد عليه هذا بكتاب الإنسان لا يقوم وحده، وترجم باسم العلم يدعو إلى الإيمان.
فذكر فيه أموراً عديدة، وتفصيلات دقيقة لحكمة الأحياء؛ لكنه لم يذكر فيه شيئاً عن حكمة وجود الإنسان؛ لأن هذا لا يملكه الإنسان الغربي، وقد تكلم عن الهداية فيقول -مثلاً-: إن الطيور التي تعشعش في بيوتنا، في فصل ما من الفصول، تهاجر وتقطع آلاف الأميال فوق البحار في فصول أخرى، ثم تعود إلى نفس العش، هذا شيء يثير الانتباه '.
ومنها أن الثعابين المائية -على نوعين: ثعبان الماء الأوروبي، وثعبان الماء الأمريكي- التي تهاجر من المحيط الأطلسي -إذا تجمد- إلى اتجاه المناطق الاستوائية الدافئة إلى مثلث برمودا، تهاجر وتموت هنالك؛ ولكنها تبيض في المناطق الاستوائية؛ والذي يحصل أن الثعابين الصغيرة المولودة -بعد أن تكبر- تعود وتهاجر إلى المناطق التي كان فيها آباؤها في أوروبا أو في أمريكا؛ بحيث أنه إذا ذهب الثلج وجاء الفصل المعتدل؛ نجد أن كل بحيرة فيها الثعابين المائية.
إذاً هناك نوع من الهداية، لأن الثعبان يعود إلى المكان الذي كان فيه أبوه، ولا يذهب إلى بحيرة أخرى.
وأكثر من ذلك! المسافة التي يقطعها الثعبان الأوروبي فهي -بطبيعة الحال- من شواطئ غرب أوروبا إلى برمودا، أكبر وأطول من أمريكا؛ ووجدوا -أيضاً- أن عمر الثعبان الأوروبي أطول بأشهر من الثعبان الأمريكي؛ وكأن هذا حساب للمسافة الزمنية، فكل شيء له حسابه ونظامه الذي يختص به دون غيره.
ثم نظر إلى النمل وقال: إنه وجد أن هذا النمل أنواع، فهناك نوع من النمل يطحن الطعام، أي: أن النمل يجمع الطعام فيأتي النمل الطحان فيطحن الطعام؛ فيطحن الحب ويجمعه، وإذا انتهى الطحن، وجاء موسم الأكل من المخزون؛ يقوم النمل الآخر فيقتل النمل الطحان، لأنه لو بقي لأكل مما طحن فلا حكمة من وجوده.
إذاً: يموت، وغيرها من الأشياء العجيبة!! وذكر -أيضاً- نوعاً من العناكب التي تعيش في الماء، فهذه العناكب تغوص وتبني عشها في أي شيءٍ ثابتٍ في قعر البحر، ثم تصعد إلى سطح الماء؛ لتحتفظ بفقاعة من الهواء، ثم تعود فتضعها في العش، وهكذا.
حتى تأتي بفقاعات ينتفخ بها العش من الهواء، ويكون فيه البيض والمواليد التي تضعها هذه العنكبوت في جو في قاع البحر بعيدٍ عن العواصف وبعيد عن الأخطار؛ وفي نفس الوقت الأكسجين موجود؛ لأن العنكبوت قد أخذت الأكسجين من الهواء الطلق، وهذا الأكسجين يكفي لأن تعيش العناكب حتى تكتمل، فإذا اكتملت تخرج وتصبح مثل الأم؛ تسبح في الماء وتبدأ تصنع أعشاشاً جديدة.
إذاً فكل شيءٍ له حكمة وكل مخلوق له نظام، كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:٥٠] وكل شيء له نظام يمشي عليه.
أما إذا انتهت الغاية من وجود هذا الشيء؛ فإنه ينتهي وجوده تلقائياً، وكأنه لا مبرر لبقائه.