[أهمية تنزيه الله في منهج الدعوة]
ثم يقول الله: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ} [يوسف:١٠٨] وكلنا نقول: سبحان الله؛ إما بعد الصلاة وإما نافلة؛ فهي من أفضل الذكر ومن الكلمات التي هي خير الكلمات وأفضلها بعد القرآن، نقول: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) ولكن أين حقيقة هذه الكلمة من قلوبنا؟! وأين تحقيق كلمة سبحان الله في حياتنا؟! فليست هي كلمة تقال باللسان فقط، فالله لم يذكرها في آية الدعوة وفي منهج الدعوة لمجرد أنها قول باللسان؛ بل هي كلمة لها مدلولها العظيم والعميق، وخاصة عندما تأتي في منهج الدعوة إلى الله.
فإن معنى الدعوة إلى الله، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {حتى يعبد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وحده لا شريك له}، فكل نبي جاء ليقول لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩] وكل الأنبياء جاءوا يدعون إلى التوحيد، والتوحيد هو تنزيه الله عن أن يكون له ند أو يعدل به أحد أو يسوى به أحد، في المحبة والإجلال والخوف والرغبة والرجاء والطاعة والإنابة والخشية وجميع أنواع العبادة.
فسبحانه أن يكون له شريك، وسبحانه أن يكون له ولد، أو أن تكون له صاحبة، أو أن يكون له نظير، أو مثيل سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فهذه هي غاية الدعوة إلى الله! أن ننزه الله سبحانه عن الشريك والنظير والند والمثيل.
فمعنى سبحان الله أي: أنزه الله عما لا يليق به.
فذكر التسبيح في مقام الدعوة وفي آية الدعوة أدل وأوقع ما يكون على أن الغرض من الدعوة هو أن ينزه الله عما لا يليق به.
فلو عرفنا الله حق معرفته ما عصاه منا أحد أبداً؛ ولكن لما لم نقدر الله حق قدره، ولم نعرف الله حق معرفته؛ وقعت هذه المعاصي والذنوب وهذه المخالفات التي ضجَّت منها الأرض والسماوات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
حقيقة التنزية: فأين تنزيه الله؟! كم من الناس من يشرك بالله ويدعو غير الله! وكم من الناس من ينبذ كتاب الله وراء ظهره، ويتحاكم إلى القوانين البشرية وإلى الطواغيت التي وضعها طواغيت البشر! وكم من الناس رفضوا سنة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتبعوا آراء الرجال! وكم من الناس يعصون الله جهاراً نهاراً على علم ومعرفة بأن هذا حرام! فكل هؤلاء لم ينزهوا الله ولم يسبحوه، حتى لو كانوا ممن يقولون: (سبحان الله) ألف مرة في اليوم؛ لكنهم في الحقيقة لم ينزهوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وكذلك المعترضون على أقدار الله لم ينزهوا الله؛ إن وقع القدر وكان فيه خير لأحد من المسلمين؛ اعترض بعضهم على قدر الله لأنه لم يقع له، سبحان الله! فهذا الذي يعترض على قدر الله لا ينزه الله، فيقع الخلل في القدر كما وقع الخلل في التوحيد.
وإن كان له الخير قال: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:٧٨] أي: باجتهادي وجهدي -كما قال قارون وأمثاله- فأين تنزيه الله سبحانه؟! فهذا ملكه وهذا خلقه! وهذا المعترض ليس له من الأمر شيء، قال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:٥٤] فليس لأحد الحق في أن يعترض على الله؛ ولهذا يقول الله: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات:١٥٩ - ١٦٠] فعباد الله المخلصون والمصطفون الأخيار، هم الذين ينزهون الله، فهم الذين يرتضون حكمه الشرعي ولا يخالفونه، ويرتضون حكمه القدري، ويصبرون عليه إن كان شراً، وإن كان خيراً حمدوا الله وأثنوا عليه، وردوا الأمر والفضل كله إلى الله، وأما ما يصفه به غيرهم فليس فيه تنزيه لله.
فالدعوة التي لا يكون هدفها أن ينزه الله وأن يعرف الله وأن يقدر الله حق قدره ليست دعوة صحيحة سليمة، ولا خير فيها ولن تنتج مهما كثر الأتباع وتجمع الرعاع؛ فإن هذا ليس هو الأسلوب الصحيح ولا هو ما أمر الله به من المنهج الذي يرتضيه.