ثم أمر ثالث يجب أن نكرر الوصية به لا نملُّ في ذلك وهو الصبر، فلا بد من الصبر، ومن أعجب ما نراه الآن ونفقده في الدعاة إلى الله وطلبة العلم: قلة صبرنا، سبحان الله! لا نصبر على طاعة نستمر فيها، الواحد منا قد يكون له شيء من كتاب الله أو من السنة يدرسه ولكنه لا يصبر عليه، فينقطع في نصف الطريق، هذا عجيب! أين الصبر؟ بعض السلف لما قيل له: 'بمَ عرفت ربك؟ قال: عرفته بضعف الهمم، وفتور العزائم' لأن العزائم والهمم تضعف، فيعرف الإنسان حقيقة نفسه وضعفه؛ فيعرف ربه تبارك وتعالى المتصف بصفات الكمال والثناء عز وجل، فهذه حالة تعتري الناس، لكن هناك فرق بين أن تضعف وأنت تريد الدرجات العلى فتضعف عنها، وبين أن تضعف وأنت في أول الطريق.
ومما يذكر أن أحد العظماء قال لابنه: 'يا بني! من تريد أن تكون مثله؟ فقال: يا أبتِ أريد أن أكون مثلك، قال: يا بني! إذا كان كذلك فلن تكون؛ لأنني اجتهدت أن أكون مثل عمر بن الخطاب، فكنت كما تراني، فإذا أردت أن تكون مثلي فلن تكون' يقول له: أنت لا بد أن تكون همتك أعلى، وتصبر وتصابر ومع ذلك لن تصل -والله أعلم- إلى النصف أو الربع مما تأمل.