الصنف الأول: صنف مؤمن راغب في الحق، يريده ويحبه ويضحي من أجله ويجاهد في سبيله؛ فهؤلاء الذين أمر الله رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصبر نفسه معهم، فقال سبحانه:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}[الكهف:٢٨] وهؤلاء هم الذين كان منهم الصحابة الكرام، وكان منهم أيضاً من كان في زمن نوح عليه السلام وهم من آمن به، فجاءه قومه، وقالوا:{وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}[هود:٢٧] وأصروا عليه أن يطردهم، فقال:{وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا}[هود:٢٩].
فهؤلاء أمر الله وأرشد إلى أن نتخذ معهم في الدعوة (الحكمة) فهذا الإنسان هو في يدك تربيه وتدعوه وهو مستسلم مذعن للحق؛ فالحكمة تكون في تربيته ليأخذ الحق، كما قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- وغيره من السلف في قوله تعالى:{وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ}[آل عمران:٧٩]، قال:[[الرباني هو الذي يعلم الناس صغار العلم قبل كباره]] فأي شخص تراه مقبلاً على الخير ومحباً له وراغباً فيه؛ فهذا لا بد أن تدعوه بالحكمة، وتكون بالرفق، والقوة معاً، والترغيب والترهيب.
وكلمة الحكمة أعظم وأشمل من أن تحصى؛ ولهذا كما يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: الحكمة لم توصف بأنها حسنة؛ لأنها لا تكون إلا حسنة، فلو لم تكن حسنة ما سميت حكمة، حتى في كلام العرب إذا قيل هذا الشيء محكم أي: لا عيب فيه، وأحكمت الشيء: أي وضعته في الوضع الصحيح بلا عيب كما قال الله في حق القرآن العظيم: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ}[هود:١] وحتى أن العرب تسمي الشيء الذي تجعله في اللجام لتضبط به الدابة بالحَكَمَة.
فالأتباع الراغبون في الخير، المحبون للحق، تكون دعوتنا لهم بالحكمة، أي: بصغار العلم قبل كباره، وبالقدوة التي يرونها، كما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فقد سئلت أم المؤمنين عن خلقه فقالت:{كان خلقه القرآن}.
فأتباعه وأحبابه المؤمنون به يرون القرآن متمثلاً في خلقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فيحبونه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزكيهم ويربيهم ويسوسهم بأفضل وأرقى أنواع التعليم والتربية والتزكية والسياسة حتى يستقيموا على أمر الله وعلى دين الله.
فلا تقل هذا راغب وهذا محب للحق؛ فتأمره وتنهاه وتشدد عليه بدون أي اهتمام ومراعاةٍ لأساليب التربية النبوية؛ فهذا قد يسبب له تخبطاً وإرباكاً؛ فهذا الأسلوب ليس من الحكمة.
وإن كان راغباً، وإن كان محباً، وإن كان طالباً للحق، فلا بد معه من الحكمة.