ولو تتبعنا عناوين الأحكام فقط في هذه السورة لوجدناها كثيرة، منها: الصيد، ونكاح الكتابيات، وطعامهم، واتخاذ الكفار أولياء، وحد السرقة، وحد الحرابة، والقصاص، والعقود، والعهود -قال ابن عباس ومجاهد:[[العقود: بمعنى العهود]] فكل عهد يجب الوفاء به، ويدخل في ذلك عهد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فكل مؤمن هو معاهد لله عز وجل بالإيمان والتصديق للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واتباع أمره، وكذلك بقية العقود- وأيضاً من الأحكام: البيوع، والشركة، والإجارة، والنكاح، والبيعة، والوكالة، وهذه من أنواع العقود، وهي داخلة في قوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة:١] ويدخل تحتها كل أنواع العقود مع الله -وهي أعظم ما يجب الوفاء به- ومع الخلق.
وأيضاً من الأحكام: كفارة اليمين، وحكم الخمر، وحد الخمر، والطهارة، والتيمم، وغيرها من الأحكام العظيمة التي وردت في هذه السورة العظيمة.
قال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ}[المائدة:١] وهذه أيضاً قاعدة عظيمة جداً في التحليل والتحريم.
{إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ}[المائدة:١] وهذه الآية عجيبة من الناحية اللغوية، ففيها استثناء في غاية الجمال والأسلوب، بحيث أن الاستثناء لا يمكن أن يأتي به لسان أو يقوله شاعر أو أديب إلا ويخطئ، ويكون في أسلوبه ركاكة، ولا نعلم أن أحداً من العرب جاء باستثناء من استثناء إلا وكان الأسلوب ركيكاً، وكذلك كان الأسلوب في قوله:{إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} فيه استثناء آخر، فنستثني ما حرم فيبقى ما أحل، وما أحل نستثني منه حالة الصيد، وهذا كما ذكر في أول السورة:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة:٢] وفي آخرها ذكر كفارة من فعل ذلك، فهذه سورة كلها أحكام، وفيها من مثل هذه العبر والدلالة.