ولهذا ربط الله تبارك وتعالى بين المحبة والاتباع كما قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران:٣١] فحقيقة المحبة، أن يتبع العبد ما أنزل الله، وأن يتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن يتبع ما شرع الله وما أمر به ولا يخرج عن شيء من ذلك أبداًَ، فإن تمسك بهذا ترقى به في مدارج العبودية، وهو الذي يتحقق به كمال العبودية وبالتالي كمال المحبة.
ولذلك لما كان أعظم وأشق أنواع العبادات هو الجهاد اقترن بالمحبة؛ لأنك إن كنت تحبه فلا بد أن تجاهد في سبيله، وتضحي بالغالي والنفيس من أجله، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:٢٤].
فهنا قارن الله بين المحبتين، فإما أن تكون هذه أحب أو تلك وهذا حال أكثر الناس مع الأسف الشديد محبة الأبناء والأزواج والعشيرة والأموال والمساكن والدنيا والأراضي والشركات والمؤسسات، وكل ما هو من زينة الحياة الدنيا.
فإن كانت هذه أحب إليك من الله ورسوله وجهاد في سبيله، والجهاد: خصه الله من بين سائر العبادات لأنه أشق العبادات، وهو الغاية قال: {وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} [التوبة:٢٤] فإن حدتم عنها {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}[التوبة:٢٤] وهذا وعيد من الله تبارك وتعالى، فإما أن يسلط الله عز وجل الذل على المؤمنين، كما جاء في الحديث {إذا تبايعتم بالعينة، واشتغلتم بالزرع، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم} وإما أن ينزل علينا عقوباته السماوية، وإما أن يعاقب من فعل ذلك بتسليط بعض خلقه عليه، فهو يعاقب كما يشاء وكيف يشاء.