وقد جاء في دعاء إمام الموحدين خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:٨٧ - ٨٩] فسلامة القلب هي دليل ومعيار النجاة من عذاب الله تبارك وتعالى، ومن الخزي يوم القيامة وشدته، وعبوسه، وكرباته، كل هذا يكون بسلامة القلب، وسلامة القلب تكون بأمرين لا يجوز أن نغفل عنهما، بل يجب أن نعلمهما: أما الأول: سلامته من الشبهة، وأعظم ما ينبغي في ذلك أن يسلم القلب من الشرك بالله تبارك وتعالى، وألا يكون في قلب العبد المؤمن شيئاً من الشرك لغير الله -عز وجل- سواء كان ذلك بالتقرب، أو بالتأله في الدعاء، أو التوكل، أو الخشوع، أو الخوف، أو الرجاء، وفي أصول هذه الأعمال التي هي أساس أعمال القلب، فليحذر العبد أن يكون مشركاً مع الله -تبارك وتعالى- بشيء من هذه الأعمال والتعبدات.
ويجب أن تكون هذه الأعمال خالصة لله تبارك وتعالى، فيسلم القلب من الشرك، ويسلم من الشبهة التي تدفعه إلى الابتداع ومخالفة سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي أمر الله -عز وجل- بطاعته واتباعه {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}[النساء:٦٤]{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر:٧]{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[الحجرات:١].
فلا بد أن يتواطأ هذا القلب ويتفق اتفاقاً كاملاً مع ما جاء به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا تنقدح فيه شبهة من شبه أهل البدع والضلال، إما بميل إلى رأي أهل الغلو كـ الخوارج ومن ماثلهم، أو ميل إلى رأي أهل التفريط كمثل رأي أهل الإرجاء وأشباههم، أو أن يعبد الله -تبارك وتعالى- بما لم يشرعه، كما يفعله أهل التصوف وأشباههم، كل ذلك لا يصح وإنما الواجب السلامة منها، فالقلب السليم هو الذي سلم من الشبهات ومن المعارضات، والمنازعات والمدافعات، فكل ما شرعه الله وشرعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو الحق الواجب اتباعه والإذعان له {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[النساء:٦٥].
فصاحبه مذعن منقاد مستسلم بقلبه، لا يبحث إلا عن صحة الحديث، فإذا صح الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثبت وكان معناه معلوماً لديه، فهو يعتقده إن كان من الخبريات والاعتقاديات، ويعمل به ويمتثله إن كان من العمليات، فهذا هو الجانب الأول: السلامة: أي سلامة القلب من الشبهات.
الثاني: سلامة القلب من الشهوات: وهي كثيرة -نسأل الله العفو والعافية- وهي التي تدفع الإنسان إلى أن يخرج عن الجادة وعن الطريق المستقيم، ينحرف عن طريق الجنة إلى طريق النار، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات} والإنسان إذا أراد طريق الجنة فإنه لا يمكن أن تتحق شهواته ورغباته كلها، أما النار فإنها حجبت وحفت بالشهوات، فمن سلك طريقها وصل إلى شهواته ورغباته نسأل الله العفو والعافية.
فانظر يا أخي المسلم في أي الطريقين أنت؟! إن كنت تلاقي العنت من حفظ نفسك وتصبيرها عن الوقوع في الشهوات والشبهات فأنت على طريق الجنة، فأنت وإن كنت تريد المال وهو معروض عليك، ولكن لأنه حرام لا تقبله، ومعروض عليك شهوة النساء، ولكن لأنك تخشى الله وتتقيه وتستعصم به، فأنت لا تريد إلا أن يكون حلالاً، ومعروضة لديك شهوات كثيرة ومغريات تشتاق إليها النفوس ويتسارع إليها الناس، ولكنك تعرض عنها ابتغاء وجه الله، ومرضاته، فأبشر بالخير، واعلم أنك على طريق الجنة إن شاء الله.
أما من أتبع نفسه هواها، وأصبح لا يشتهي أمراً إلا وأخذه من حلالٍ أو حرام، ولا تشتاق نفسه إلى شهوة إلا وسعى في تحصيلها ولا يبالي بأمر الله -تبارك وتعالى- فيها، فهذا ساع على طريق أهل النار، ونسأل الله أن يحفظنا وإياكم من ذلك، والشهوات كثيرة كما أن الشبهات كثيرة، وأساس ذلك كله هو ما يعتري القلب من أمراض.