ثم قال عز وجل:{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ}[الأعراف:٩٧ - ٩٨] أي: ما المانع وما الموجب وما المقتضي للغفلة والإعراض وقسوة القلب وعدم اللجوء إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والتضرع إليه، أهو الأمن؟! فكيف يأمنون والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قادر! والله تبارك وتعالى قوي! والله تعالى عزيز ذو انتقام! كيف يأمنون أن يأتيهم بأس الله بياتاً وهم نائمون! وكم من أمةٍ جاءها ذلك البأس فأخذهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مصبحين، كما أخذ الله قوم لوط {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}[هود:٨١]{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ}[الحجر:٨٣] أو (مُشْرِقِينَ) هكذا أخذ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كثيراً من الأمم، أخذهم بياتاً أو مع الإشراق {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ}[الأعراف:٩٨].
وقد أخذ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أيضاً أمماً أخرى وأهلكها، وعذبها وهي ترى العذاب، ومن ذلك ما ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن قوم عاد {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}[الأحقاف:٢٤]-نعوذ بالله من القسوة ومن الغفلة- حتى لما رأوا العذاب قالوا: هذا عارض ممطرنا، فما ظنوه إلا استمراراً لهم في الخير واستمراراً للعطاء والنعمة، وما ظنوه إلا سيستمر، وهم لا يحسبونه استدراجاً {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}[الأحقاف:٢٥] فكانوا بعد ذلك {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}[القمر:٢٠].
وهكذا كل أمة يجب عليها ألا تأمن من مكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما قال تعالى:{أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ}[الأعراف:١٠٠] لا يصح ولا يجوز لأي أحد أن ينسى، أو يغفل، أو يكف عن التضرع إلى الله والتوبة إليه، والأخذ بالأسباب الواقية من عذابه، والمؤدية إلى النجاة من انتقام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهكذا يجب على الناس أمماً وأفراداً.
أما من كان حاله غير ذلك، فإنما مثله مثل الذي قال:{وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً}[مريم:٧٧] فرد الله عليه: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً}[مريم:٧٨].
ألم نقل في هذه الأيام بصريح الحال أو المقال: إننا في رخاء مستمر، وإن الأمان مستمر، وإن الأموال متنامية، وكل شيء في نمو {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً}[مريم:٧٨] هل اطلعنا على الغيب فوثقنا أن حالنا سيظل كذلك؟! لا والله ولم نطلع عليه، {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}[النمل:٦٥] وكذلك هل أعطانا الله تبارك وتعالى عهداً وميثاقاً أن يعذب الأمم ويبتليها ولا يبتلينا؟ لا والله، ومن أين لنا ذلك؟! فقد رأينا عِبَرَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ورأينا أيام الله التي فعلها بالأمم التي قبلنا، ورأينا ما حدث في أوروبا في الحرب العالمية الثانية، وسمع الناس بذلك.
أقول: الأمة في مجموعها علمت بذلك، ثم رأى الناس ما حل بأهل لبنان مع ما كانوا فيه من الرخاء والنعمة، لكن لما طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد صب الله عليهم سوط عذاب، وجعل الفتنة فيما بينهم، وكان الهرج -القتل- حتى أن القاتل لا يدري فيما قَتل ولا المقتول فيما قُتل، ولا يخفى ذلك على أحد.
ورأينا ما فعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بـ إيران بعد أن كان عرش الطاووس تخاف منه العروش، وتهتز له الملوك، وكان يريد أن يكون ثالث قوة في العالم، أسقطه الله وأذهبه، وجاءت الحروب، وجاءت الفتن، حتى أصبحوا في أسفل سافلين في كل جانب من جوانب الحياة، وكذلك أمم ودول أخرى من حولنا.