ماذا عن الفراغ الروحي الذي يستولي على قلوبنا استيلاءً كاملاً، وحلَّ بذلك محلَّ العبودية التي فرضها الله علينا، ولعل الرفاهية هي أهم سبب في ذلك؛ لأنها زادت عن حدها المفروض فكيف يكون الحل؟
الجواب
نعم، الرفاهية التي سمَّاها الله تبارك وتعالى الترف فنحن قد أُترفنا؛ وأما الصحابة رضي الله عنهم فقد كانوا يخشون أن تكون حسناتهم قد عُجِّلت لهم في هذه الحياة الدنيا، كما فعل ذلك الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما وضعت أمامه المائدة وفيها الطعام، فتذكر مصعب بن عمير وترك الطعام، قالوا: مالك؟ قال: تذكرت مصعب بن عمير يوم أحد، وكان بجوار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصعب بن عمير فقاتل حتى قُتِلَ؛ فلما جئنا نكفنه، لم يكن معه إلا بردة، إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه؛ وإن غطينا رجلاه بدا رأسه! وما منا اليوم أحد إلا وهو أمير على بلد من البلدان، فقال: أخشى أن تكون هذه حسناتنا قد عجلت لنا! فإذا كان هذا الجيل المجاهد العظيم الذي وعده الله في هذه الدنيا بأنه يملكها، لما ملكها خاف أن تكون عقوبة وأن تكون طيباته عُجِّلت له بهذه الدنيا! فنحن أولى بالخوف ونحن أولى أن نحذر من هذا الترف وأن نعوذ بالله منه؛ فإن المترفين هم أكثر الناس قسوة في القلب، وأبعدهم عن الضراعة إلى الله؛ لأن الحاجة تلجئ إلى دعاء الله وإلى عبادته والتضرع إليه، لكن الذي يشعر بالغنى لا يدعو الله، ولا يشعر أنه مفتقر إليه، فيكون من الران على قلبه أنه يشعر بالغنى عن الله، فالرفاهية والترف لاشك أنها من أعظم أسباب الفراغ الروحي والبعد عن الله، لكن قلوبنا لها ِأسباب أخرى في قسوتها وغفلتها، ولو عبدنا الله تعالى حق العبادة لكنا حقاً من المؤمنين، وإن كان بيدنا من الدنيا ما بيدنا؛ لأن المؤمن الذي يملك المال ويتعبد الله به لا يكون مترفاً أبداً، مهما كانت بيده من الأموال، وإنما يأخذ بقدر إنفاقه على نفسه.