وأما ما يتعلق ببعض جوانب الربوبية، وما ينسب إلى الله تبارك وتعالى من أفعال؛ فإن المشركين أنفسهم كانوا مقرين بها إلا من شذ، ومن جعل هذا التوحيد هو الغاية التي من أجلها بعثت الرسل وأنزلت الكتب وخلق الخلق كما يفعله المتكلمون في كتبهم التي يسمونها -العقيدة والتوحيد- وهي كتب كلام، فذلك من الضلال المبين ولا ريب في ذلك؛ لأن الله تبارك وتعالى أخبر في كثير من الآيات، أن المشركين كانوا يقرون بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يرزق، ويخلق، ويتصرف، ويملك قال تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ}[يونس:٣١].
فهم يقرون بتوحيد الربوبية فلماذا إذاً كانوا كفاراً؟ ولماذا كانوا مشركين؟ لأنهم عبدوا غير الله، ولهذا قال تعالى:{فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}[يونس:٣٢] أي إذا كانت هذه هي أفعاله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإذا كنتم كما قال الله عنكم:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[لقمان:٢٥] وقال أيضاًَ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[الزخرف:٩] فلماذا تعبدون غير الله؟! ولماذا تدعون غير الله؟! ولماذا تتوجهون بقرباتكم وصلاتكم ونسككم ودعائكم إلى غير الله تبارك وتعالى؟! إذاً: فالقضية واضحة بالنسبة لما كان بين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وبين أقوامهم، وما هذه إلا آيات قليلة من جملة آيات عظيمة في كتاب الله، توضح أهمية هذا الجانب وهو (توحيد الألوهية، وضرورة الدعوة إليه، والتذكير به.