ثم يقول: 'وقد كان الصحابة رضي الله تعالى عليهم يصلون خلف من يعرفون فجوره' أي ليس فقط من لا يعرفون حاله، بل صلوا خلف من يعرفون فجوره كما صلى عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابة خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان قد شرب الخمر، وصلى الصبح أربعاً وجلده عثمان بن عفان على ذلك، وقصة الوليد بن عقبة مشهورة في التاريخ، وجَلْدُ عثمان بن عفان رضي الله عنه له مشهور في التواريخ، وبعض الناس يطعن في صحتها على أساس أنه كيف يصلي الصحابة أربع ركعات خلف إنسان سكران، وكيف يصلون الفجر أربع ركعات؟! فأقول: لا يلزم من يصححها أن الصحابة صلوا الفجر أربع ركعات، لأن الإمام إذا قام خطأ، فإنه لا يتابع في ذلك، بل ينتظرونه حتى يكمل الركعة، ولهذا قال لهم: أزيدكم! حتى قال عبد الله بن مسعود: ما زلنا في زيادة منذ اليوم.
فلا يلزم بطلان القصة من جهة متنها، وإنما من جهة السند، وهذا شيء آخر راجع إلى اختلاف العلماء في هذه الأمور من الناحية الحكمية، لكن شَيْخ الإِسْلامِ كرر الاستدلال بها أكثر من مرة بناءً على أن كثيراً من الفقهاء استدلوا بها كدليل معتمد أو كدليل استئناس، والمهم أن فقهاء المذاهب الأربعة لا يعتمدون على هذا الدليل وحده، لكن مذهبهم من مجموع الأدلة هو: صحة الصلاة خلف الفاسق.
قال: 'وكان عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة يصلون خلف الحجاج بن يوسف -وهذه الواقعة متفق على صحتها لا ينازع في ذلك أحد- وكان الصحابة والتابعون يصلون خلف ابن أبي عبيد - المختار ابن أبي عبيد كذاب ثقيف- وكان متهماً بالإلحاد وداعياً إلى الضلال'.
ولعل قائلاً يقول: كيف يصلون وهم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كـ عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وعبد الله بن مسعود وأمثالهم خلف هؤلاء؟ فنقول: هؤلاء مع ظهور بدعتهم أو ضلالتهم أو فجورهم ليسوا مجرد أئمة صلاة، وإنما كانوا أئمة حكم أو نواب عن أئمة الحكم، فهنا لو لم يصلوا خلفهم لحدثت فتنة عظيمة.
والمختار بن أبي عبيد الكذاب الذي من ضلالته قيل: إنه ادعى النبوة وما أشبه ذلك، ونقل تكفيره عن كثير ممن عاصره، هذا المختار ما كان ينتحل ويدعي الكفر ويظهره، إنما كان يقول: إنه داعية إلى أهل البيت، وأن الإمام الحقيقي هو محمد بن الحنفية - محمد بن علي بن أبي طالب، لكن يقال له: ابن الحنفية لأن أمه ليست فاطمة رضي الله تعالى عنها، وإنما أمه امرأة من بني حنيفة- فـ محمد بن الحنفية كان المختار يدعي أنه هو الإمام.
وكثير من الأمة يقولون: إن محمد بن الحنفية أفضل من بني أمية، ومن المؤلم جداً أنه في سنة (٦٠ أو٦١) هـ حج الناس تحت ألوية ثلاثة أمراء في وقت واحد، فوقفوا بعرفات ثلاثة ألوية، لواء لـ ابن الزبير، ولواء لبني أمية، ولواء لـ محمد بن الحنفية، وكانت الفُرقة عظيمة، فلم يشأ الصحابة أن تزداد فرأوا أن يصلوا خلف هؤلاء حتى يفرج الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن الأمة، ويأتي بإمام يجمع شملها، وقد اجتمع شملها بعد ذلك، والمقصود هو المصلحة، فحيث كانت المصلحة راجحة وترك الفتنة هو الأرجح وهو الأولى دائماً أخذ بها.