هذه الآيات الكريمات من سورة الزمر، وأيضاً ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيها ما يدل على ذلك:{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الزمر:٦٤ - ٦٦]، وهذه السورة اشتملت على معانٍ عظيمة في الإيمان من أبرزها -لمن قرأها وأظهرها-: أنها كررت اشتراط الإخلاص في غير ما آية، وأوضحته وأجلته.
وكذلك نجد بعض السور القرآنية العظمى التي تتحدث عن التوحيد تشترط ذلك، وإن لم تنص عليه نصاً، كما في سورة الأنعام، فإن أكثر معانيها وموضوعاتها تتعلق بتوحيد الله وتجريد العبادة له، ونفي الشرك عنه.
وهذه هي حقيقة الإخلاص وإن لم يرد في السورة بالنص نفسه، ولهذا تسمى سورة "الصمد"، أو سورة "قل هو الله أحد" سورة الإخلاص؛ لأنها في إخلاص العبادة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من جهة توحيد المعرفة، إخلاص التوحيد من جهة المعرفة والإثبات، فهي تثبت:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}[الإخلاص:١ - ٤] تثبت وحدانية الله تبارك وتعالى، وتنفي عنه ما يزعمه المبطلون، الذين يدَّعون أن لله تبارك وتعالى ولداً، أو أن له كفؤاً أو شبيهاً أو نظيراً، تعالى الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين.
وكذلك تسمى سورة الكافرون سورة الإخلاص؛ لأنها تضمنت حقيقة الإخلاص من جهة الولاء والبراء والهجر، هجر كل ما يعبد من دون الله تبارك وتعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون:١ - ٣]، وفي آخرها:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[الكافرون:٦].
فهذه براءة أو مفاصلة ومقاطعةٌ كاملة بين العبادتين وبين المنهجين، ومن هنا كان الذي أخذه وعده الله تبارك وتعالى وسجَّلَه على أهل الكتاب وعلى المنافقين أنهم كانوا غير مجردين للصدق، وغير مجردين للإخلاص لله تبارك وتعالى، بل إن ذلك -ولا سيما الإخلاص- يشمل أيضاً المشركين، وذلك أن الجامع بين الجميع هو دعوى أنهم يعبدون الله وأنهم يتقربون إليه.