[حكم اتخاذ مناهج دعوية مخالفة لمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم]
السؤال
هل يكون اتخاذ مناهج دعوية غير منهاج الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الاعتراض على حكمه أم لا؟
الجواب
لا شك في ذلك، ولذلك يقول:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف:١٠٨]، فمن قَدَّم على منهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنهج السلف الصالح في الدعوة أي منهج آخر فقد اعترض عليه، وهو نوع من أنواع الاعتراض سواء أكان هذا المنهج ينتمي إلى طائفة، أم إلى جماعة، أم إلى حزب، أم إلى إمام كائناً من كان، فإذا خالف ما جاء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا نوع من التقليد المذموم، والتعصب المذهبي المذموم، الذي يجعل صاحبه يغلو في إمامه، فيقدم كلام إمامه أو مذهبه على ما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أحكام، وحلال وحرام.
ومثله من يغلو في شيخ، أو مؤسس لجماعة، أو حزب إسلامي، أو أي معنى من هذه المعاني، فيغلوا فيه، ويقدم كلامه، وكتبه، وآراءه، وطريقته، ومنهجه، على طريقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى منهج السلف الصالح، فلا ريب أن هذا نوع من أنواع الاعتراض، وأن فاعله لم يحقق الرضا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه لم ينتف الحرج من قلبه، أو ربما لم يسلم تسليماً كاملاً، كالذين لا يبدءوا دعوتهم بالتوحيد، لا شك أن هذا مخالف لما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن أعظم ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو التوحيد ولا ريب في ذلك، وهو أول ما دعا إليه، فلما بعث معاذاً وغيره، كان يقول لهم:{فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله، أو شهادة أن لا إله إلا الله}، فهذا مثال ولا بد أن يعلمه الجميع.
مثلاً: من يظن أن في الإمكان أن يجمع الناس مجرد جمع على أن ينتخبوه ليحكم، فإذا وصل إلى الحكم، فقد نال الهدف فيقيم الإسلام والدين، فهذا مخالف لمنهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعوة؛ لأن منهجه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو التزكية، والتربية، والاصطفاء، والاختيار لقوم يحملون هذا الدين عن حق، وعن يقين، ويجاهدون في سبيل الله حتى يقوم هذا الدين، فكذلك من يريد أن يقيم دين الله تبارك وتعالى من غير صبر ولا مصابرة، وإنما كل من عارضه قاتله، فهذا مخالف لمنهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأنبياء في الدعوة؛ لأن أنبياء الله ورسل الله يقولون:{وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا}[إبراهيم:١٢]، فكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح الدم عن وجهه ويقول:{اللهم اغفر لقومي فإنهم لايعلمون}.
فإذا جاءت دعوة، أو طائفة، أو حزب، أياً كان واستحلوا أن يقاتلوا من خالفهم، ولم يمروا بمرحلة الصبر والابتلاء، والتزكية، فإنهم قد خالفوا منهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعوة، فهؤلاء هم نوع من أنواع المقلدين.
والتقليد لا يكون فقط في الأحكام الشرعية؛ بل يكون كذلك في المناهج الدعوية، والواجب هو تجريد المتابعة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن لا يقدم بين يدي الله ورسوله، وأما ما يجب منا نحو هؤلاء أو نحو غيرهم فهذا له موضوع آخر، وليس هذا المقام مقام التفصيل فيه.