أما في الغرب فيمكن أن نقدم نصاً واحداً فقط يبين لنا نظرتهم في مسألة الإيمان بالله، وحجمها في الحكمة الغربية أو في الفلسفة الغربية، ثم بعد ذلك أنقل لكم بعض نصوص ما قاله هذان المؤلفان.
يقول هان ترينج في كتابه: الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (ص٣٨): 'يتميز موقف الفيلسوف على خلاف موقف الديني' فانظروا الفصل هنا فيلسوف وهنا ديني، أي: أنّ أيَّ مفكر عندهم يستخدم عقله في التفكير مجرداً عن الدين يعتبرونه فيلسوفاً، فكأنه من المستحيل أن يكون مفكراً دينياً، فيقول: 'يتميز موقف الفيلسوف على خلاف موقف الديني بأنه موقف نظرٍ وتجردٍ خالص'.
أي يتجرد بالكلية عن دينه وهو الأساس، وإن كانوا -أيضا- يقولون: وعن مشاعره، لكن لا يمكن أن يكون هناك تفكير موضوعي بحت على الإطلاق، ثم يقول: فهو يرى أن مسألة الله تبارك وتعالى بأسرها من حيث وجوده وطبيعته هي مسألة مفتوحة تماماً، فالفلسفة لا تعرف أموراً مقدسة لا يمكن الاقتراب منها، والمفكر الميتافيزيقي -أي الذي يبحث في عالم ما وراء الطبيعة- لا يشعر عند لمعالجته لمفهوم الكائن الأسمى -أي: الله تبارك وتعالى- بخشوعٍ يزيد على ما يشعر به إزاء أية مسألة أخرى، فهو عندما يتكلم عن الله لا يوجد أي خشوع، فهو يتكلم عن الله، أو عن الإنسان، أو عن القذر، أو الأميبيا، أو أي شيء آخر لا فرق عنده؟ نعوذ بالله! انظر مضادة ومحادة الفطرة، إلى أن يقول: 'وكما يقال أحياناً على سبيل المزاح: حتى الله نفسه ينبغي أن يقدم أوراق اعتماده أمام مدخل مدرج الفلسفة' تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً!! فلا شيء عندهم إلا ويخضع للعلم في نظرهم، وللفلسفة، وللبحث، فليس هناك شيء مقدس -لا نص مقدساً، ولا نظرية مقدسة، ولا رجال مقدسين- بل كل شيء يجب أن يخضع في نظرهم للعلم، وفصلٌ تام بين هذا العلم وبين الإيمان الديني.
وهذا الكلام وإن كان يقال على سبيل المزاح، وإن كان يقوله بعض المنتمين للإسلام أيضاً! ولكن الله تبارك وتعالى يقول:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}[التوبة:٦٥ - ٦٦].
فعندما يتعلق الأمر بالله تبارك وتعالى، وبصفاته، وبالدين، وبالإيمان؛ فإن المسألة جدٌّ كلها ولا حاجة للمزاح، ولا يمكن أن تعتبر من المزاح.