وأما الصحابة -رضوان الله عليهم- فإنهم تعاملوا بالعدل الذي أمر الله تعالى به فقالوا: تكشف شبهتهم، وتقام عليهم الحجة، ويُوَضَّحُ لهم الْحَقُّ، فإن استجابوا وعادوا فإنهم يجلدون الحدَّ، وذلك ردعاً لهم ولغيرهم؛ حتى لا يتأول أحد فيما أحل الله أو فيما حرم الله، فيعلم أنه بسبب شربه الخمر لابد أن يجلد، وإن أصر على ذلك بعد أن تقام الحجة وتكشف الشبهة، فإن حكمه في هذه الحالة هو القتل؛ حتى لا يأتيَ أحدٌ فيفتريَ على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ويشرع في دين الله ما لم يأذن به الله، وهذا مما اتفق عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- عليه بالنسبة للفرد.
وكذلك الطائفة: إذا كانت طائفة أو قبيلة أو مدينة أو إقليم أو دولة اتفقت وتواطأت على شيء من هذا، فهذه تسمى الطائفة الممتنعة، ينظر فإن كانت لديهم شبهة كشفت وبينت، وإن لم تكن فإنهم يقاتلون على ما استحلوا مما حرم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد جاء في المسند:{أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أخبر عن وفد اليمن أو بعض قبائل من أهل اليمن أنهم لا يتركون الخمر فقال: إن تركوها وإلا قاتلوهم}.
فلو أن طائفة أو قبيلة أبت أن تترك شرب الخمر، فإنها تقاتل حتى تتركه، وكما ذكر شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله حيث يقول: اختلف العلماء فيمن ترك بعض السنن المؤكدة مثل صلاة الخسوف، فلو تواطأت قرية أو قبيلة، وقالوا: نترك صلاة الخسوف أو صلاة الاستسقاء أو ركعتي الفجر، فهؤلاء قد اختلف فيهم العلماء، فما كان من الواجبات الظاهرة كالأذان لو ترك، أو كان من المحرمات الظاهرة كاستحلال الخمر أو الربا فإنهم يقاتلون.
وقد ذكر شَيْخ الإِسْلامِ أنه ورد في بعض السير -أن قبيلة ثقيف أرادت أن تَسْتبقِيَ الرِّبَا، ولا تُحَرِّمَه بالتحريم الذي وصفه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خطبة الوداع، وكان الربا من آخر ما نزل من الأحكام، وآياته من آخر ما نزل من القرآن، فتجهز النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقتالهم.
فالمقصود أنه إذا أَصَرَّت على ترك الواجب الظاهر من دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أو ارتكاب المحرم الظاهر في التحريم، فإن حكمها هو الاستتابة، وتقام عليهم الحجة العلمية؛ فإن لم يتوبوا فإنه يجب قتالهم، فهذا الذي اتفق عليه الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- بشأن هؤلاء كما يقول المصنف: فلما ذكر ذلك لـ عمر رضي الله عنه اتفق هو وعلي بن أبي طالب.
لأنه استشاره بذلك ' وسائر الصحابة على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جلدوا، وإن أصروا على استحلالها قتلوا، وقال عمر لـ قدامة:[[أخطأت استك الحفرة]] وفي هذا كناية عن الخطأ في الرأي، ويقصد أنك أخطأت في هذا الرأي، حيث فهمت استحلال الخمر من قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات}[المائدة:٩٣] فقال له: [[أما إنك لو اتقيت، وآمنت، وعملت الصالحات، لم تشرب الخمر]] لأن شرب الخمر يتنافى مع الإيمان والتقوى والعمل الصالح، فكيف تجمع بين هذا وهذا؟!