قال: ومن أعظم القسط التوحيد، وهو رأس العدل وقوامه، والشرك هو أعظم الظلم، كما في قول العبد الصالح لقمان الحكيم:{يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:١٣] فأعظم أنواع الظلم هو الشرك، كما أن أعظم أنواع الأمر بالمعروف هو الأمر بالتوحيد، فقول الله تبارك وتعالى:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ}[الحج:٤١] أعظم ما يؤمر به هو توحيد الله عز وجل، وأعظم منكر يجب أن ينهى عنه هو الشرك بالله عز وجل.
فأعظم عدل ذكَّرنا الله تعالى وأمرنا به {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}[النحل:٩٠] هو توحيد الله سبحانه وتعالى.
ثم بعد ذلك العدل فيما ولي الإنسان، حتى في بيته، وكل إنسان له ولاية بقدر حاله كما قال صلى الله عليه وسلم:(كلكم راع، وكل راعٍ مسئول عن رعيته) ولهذا كان المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين؛ لأنهم يعدلون في أهليهم وما وُلوا.
قال:(فالشرك أظلم الظلم، والتوحيد أعدل العدل، فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر)، أي: ما كان فيه منافاة لما خلق الله سبحانه وتعالى من أجله الناس ولما أمرهم به، فهو أكبر الكبائر، وإنما تتفاوت الكبائر بحسب قربها من الشرك؛ فكل معصية تمس جانب العقيدة فبقدر ما يكون فيها من الإخلال بجانب العقيدة تكون أكبر.
وعلي فأيهما أعظم: الذنوب التي يفعلها العبد ويرتكبها من جهة الشهوة، أم التي يرتكبها من جهة الشبهة والبدعة؟ الشبهة والبدعة! لأن البدع والشبهات أقرب إلى الشرك، فمن هنا كانت أخطر من الذنوب التي لا يقترن بها شبهة ولا بدعة.
على أن البدع درجات، كما أن الذنوب الشهوانية العملية درجات أيضاً كما سبق ذلك.