أنا أقول هذا من باب اللجوء وتوجه القلوب، ولا أتكلم عن الواقع؛ من حيث ضرورته أو عدم ضرورته، بل من حيث التوجه القلبي، وهذه المسألة مشكلة خطيرة، وأرجو أن تكون هكذا عند كل أخ منكم يقرأ كتاب الله.
المشكلة والخطورة ليست في أننا عملياً قد نلتجئ للكفار أو نستعين بهم، وهل يجوز هذا وقت الضرورة أم لا يجوز ليست هذه هي القضية؛ لأننا يمكن أن نبحث هذه المسألة أو أن نفعل هذا العمل، وقلوبنا مطمئنة بالإيمان وبالثقة والتوكل على الله، ونجعل هذا سبباً من الأسباب، لكن ليست هذه هي المشكلة المشكلة: هي أن القلوب انصرفت إلى غير الله، وانصرفت إلى الكفار الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وتعلقت الآمال بهم في سلامتنا وفي نجاتنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله! أنا أريد أن نتناول هذه القضية من جانبها الإيماني، ومن جانبها القلبي الإذعاني، وننبه إخواننا وأنفسنا وأهلنا وكل أحد، إلى أن عذاب الله قد يأتينا في أشكال لا نعلمها، وهذا جزء منه ونذير:{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُو}[المدثر:٣١].
قد يأتينا في أشكال منها الموت، فقد يأتي أي واحد منا قبل أن تأتيه الغازات التي نسمع عنها، فيلقى الله، فيسأله الله: ماذا عملت؟ ماذا قدمت؟ وما من دارٍ إلا الجنة أو النار! فأين نحن من هذا التفكير؟ أين الدعاة والخطباء والعلماء لإيقاظ الناس إلى هذه المسألة المهمة؟ قبل أن نبحث الأسباب وقبل أن ننظر في واقعنا، وماذا نفعل؟ نبحث هذه القضية من جذورها وأساسها! وقد وردت إشارة في بيان مجلس القضاء الأعلى إلى أنه يجب على الناس أن يكثروا من الاستغفار والتوبة، وبعد ذلك انظر إلى وسائل الإعلام، وانظر ماذا يبثون! نريد أن نجد هذا التفكير فلا نجده وهو الأساس والأصل، وهو الذي امتنَّ الله علينا به، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي هو بالمؤمنين رءوف رحيم، وهو أرأف وأرحم بنا في أية مشكلة تقع قد دلنا عليه وبينه لنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع ذلك لا نجد من يتمثله؛ بل في ساعات النصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما دخل مكة وهو منتصر، دخل في ذلةٍ واستكانةٍ لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مطأطئ الرأس حتى كاد رأسه أن يمس رحله، وهو داخل مكة بالفتح العظيم الذي وعده الله تعالى به، وكان في هذه الحال من الاستكانة إلى الله والذل له.
ونحن في حالة الخوف والذعر والهلع ومع ذلك لا ضراعة، ولا استكانة، ولا إنابة، ولا خوف من الله عز وجل إنما تعلق بالمخلوقين، وتعلق بالعدو اللدود، الذي عداوتنا به لا تنتهي إلى قيام الساعة.