[وصية خاتمة]
أوصي نفسي أولاً وأوصيكم بتقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنها وصية الله إلى الأولين والآخرين {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:١٣١] ولا تكون تقوى الله إلا باجتناب ما حرم الله والعمل بما يرضي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن نستغفر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن نستشعر دائماً وأبداً أننا مذنبون وأننا مفرطون ومقصرون في جنب الله، ومقصرون في حق الله، وأنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، وأننا لن ندخل الجنة بأعمالنا مهما كثرت، فإن ما نعمله من عمل، وكل ما نأتيه من العبادة لا يكافئ ولا يقابل نعمة صغرى من نعم الله، ولكن ندخلها برحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن الفضل بيد الله أولاًَ وأخيراً وفي كل حين وفي كل ساعة؛ فهو خلقنا ورزقنا وهدانا وأنعم علينا.
واعلموا أن هناك فريضة منسية مهملة يجب أن نحييها نحن -جميعاً- وهي ما أمر الله تبارك وتعالى به حين قال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:١٠٤] نحن -إلا من رحم الله- في مثل هذه المناطق عندنا طبيعة وعادة متعارف عليها وهي المجاملة، والمداهنة، والمراءاة.
لا أستطيع أن أقول: يا فلان! اتق الله، يا أخي! حجِّب زوجتك، وانتبه لأبنائك لا يكونوا مع الفساق، يا أخي! لماذا لا نراك في المسجد -إلا من رحم الله منا- من يؤِّدي الدعوة المباشرة بالنصح وبالحكمة وبالموعظة الحسنة.
لكن إذا كنا تكلمنا بذلك الفاجر تارك الدين، وهذا والله ليس أسلوب الأنبياء ولا عباد الله الصالحين، ويجب أن ندعو إلى الله وأن نفرح إذا كان فينا من يدعو إلى الله، وأنتم بلا شك تفرحون إذا جاءكم من يدعوكم إلى الله من أي مكان، وهذا دليل الإيمان، وهذا شيء ملموس ويشاهده كل من جاء إلى هذه البلاد والحمد لله.
لكن يجب أن تكون فرحتكم بمن يمنُّ الله تعالى عليهم بالهداية والعلم والدعوة من أبناء هذه القرى والمناطق أشد وأعظم، لأن الزائر غريب ضيف ليلة في السنة وربما ليلة في العمر يمر عليكم.
لكن إذا أنبت الله النبات الحسن الطيب من أبنائكم في حلقات التحفيظ، وفي المعاهد العلمية، والمراكز الصيفية، والمساجد، ومنتديات الخير، فهذا خير باق مستمر تستفيدون منه في كل وقت ويرجع إليها الجاهل فيتعلم، والمستفيد فيستفيد، وينشرون الخير والعلم طوال السنة.
نحن -كما تشاهدون- هذه الأيام من فضل الله تعالى في الأسبوع مرتين أو ثلاثاً ولكن كما سمعنا وعلمنا أن هذه أمور موسمية -أي في هذا الموسم- حيث يأتي الزوار أو الدعاة أو ما أشبه ذلك مع أن الخير -والحمد لله- في المنطقة وأبناؤها موجودون.
فيجب أن نحيي هذه الدعوة وأن نقابلها بالفرح والاستبشار، وأن نهيئ لها في كل مكان، لكي تثمر وتؤتي ثمارها بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لأن هذا خير وبركة دائمة مستمرة لدينا هنا وليست وافدة زائرة تأتي ثم ترتحل.
فيجب أن نفرح إذا جاءنا الواعظ، أو جاءنا المذكر، أو الناصح، كما نفرح إذا أمطرنا، وجاءتنا السيول، والبركات والنعم، والغيث من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وكيف نفرح بالغيث في بلادنا ولا نفرح بغيث الإيمان في قلوبنا؟ نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يُوفقنا وإياكم لما يُحب ويرضى وأن يجنبنا من فتنة القول كما يجنبنا من فتنة العمل إنه سميع مجيب.
وهذا كما أشرت -والحمد لله- أمر ملموس وواضح أن الإقبال على الخير وعلى ذكر الله أصبح -والحمد لله- أمراً ظاهراً يحبه الجميع، ونحمد الله تبارك وتعالى على ذلك، ونسأله زيادة الإيمان في قلوبنا جميعاً.
لكن كما أشرت وأعيد للتكرار أن الدعوة التي تنطلق من أبناء هذه البلاد إذا تعاونوا فهي دائمة وثابتة، ولا يعني ذلك أن الذي من خارجها لا يأتي، بل كل منطقة تتحرك في داخلها يأتي الدعاة إليها من الخارج.
نحن لنا إخوة وزملاء من هذه البلاد -والحمد لله- ومما حولها خير منا وأفضل منا علماً وعملاً، ويدرسون هنا في المتوسطات وفي الثانويات وفي المعاهد، أو يدرسون هناك وهم -والحمد لله- يقومون بما نقوم به وأكثر وأفضل.
إذاً القضية ليست قضية أنه لا يوجد طاقات تقيم هذه الدعوة والندوات باستمرار، لكن يجب أن يتعاون هؤلاء الإخوة من جهة، كما يجب علينا -نحن جميعاً هنا- أن نفتح لهم سبل الخير، وأن نعينهم عليه، وأن يجدوا فينا من التجاوب والاستماع والحرص ما يشجعهم ويعينهم على طلب الخير، وإلا فهذه المراكز -كما تعلمون- أن أصحابها لا يتقاضون عليها أجراً لا انتداباً ولا راتباً ولا ربع راتب ولا شيء؛ وإنما يفعلون ذلك احتساباً لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فأنا وأمثالي من المدرسين فرحنا بالعطلة نتمشى ونذهب إلى أهلنا وإلى أولادنا ونذهب إلى كل مكان، وهذا الرجل انتهى من الاختبار وفتح المركز، هل لأنه ليس لديه أولاد أو أهل؟ ربما عنده مثل ما عندي أو أكثر ومن الأعمال، لكن عنده احتساب، وعنده رغبة في الأجر، ورغبة في الآخرة، ورغبة فيما عند الله أنه يلم شتات أبنائنا في هذه العطلة، والمؤمن لا يعرف العطلة إلا إذا مات ولقي الله، أما في الحياة فهو مسئول، ومحاسب عن وقته دائماً، فيأتون في هذه العطلة بما يحفظ الله به شبابنا.
فإذا جاءتنا هذه المراكز وهذه المواسم الخيرة والمخيمات، وكذلك الندوات فيجب أن نستفيد منها، لينفعنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في قلوبنا جميعاً.