[ظهور الحق على لسان الغرب]
أحد الباحثين المعاصرين اسمه بنفيل -وهذا مشهور في أمريكا - اشتغل بالبحث يقول: 'طوال حياتي العلمية سعيت جاهداً -كغيري من العلماء- إلى إثبات أن الدماغ يفسر العقل' فهذا أساس من أسس التربية: أن الدماغ هو الذي يفسر العقل، أي: أن الجانب العضوي في الإنسان هو الذي يفسر الفكر والجانب التجريبي أو النظري.
ويقول: 'غير أن الأدلة في آخر الأمر بعد البحث الطويل أوصلته إلى الإقرار بأن العقل البشري والإرادة البشرية حقيقتان غير ماديتين -ويعلن هذا فيقول- يا له من أمر مثير أن نكشف أن العالِم الآن يستطيع بدوره أن يؤمن عن حق بوجود الروح' فهذا هو العالم عندهم وليس رجل الدين.
بل ذكر أن أحد الكتاب الموافقين لـ بنفيل في النتيجة نفسها قال: 'الإنسان في النظرة الجديدة ليس رزمة من ردود الفعل أو الدافع أو الآليات النفسية' وهذا تعريض بالنظريات والتربويات السلوكية والتحليلية وأمثالها.
يقول: 'ولا هو نتاج فرعي لقوىً خارجية فالنظرة الجديدة' أي: نظرة النصف الثاني من القرن العشرين المبنية على الفيزياء، هذه النظرة الجديدة إلى الكون انبثق منها تصور في التربية، والأخلاق، والسلوك، والقيم، حتى في علم الجمال والفن والأدب، انبثاقاً كلياً يغاير النظرة القديمة التي قالها فرويد ومنها السلوكية، وكل النظريات التي لا تزال -مع الأسف- إلى الآن تدرس وتقرر في العالم الإسلامي.
يقول: 'النظرة الجديدة تنشد نموذجاً إنسانياً لدراسة الإنسان، نموذجاً لم نستطع من دونه أبداً أن نمد يد العون للمحتاجين -ويحذرنا فرانك قائلاً:- لن نستطيع فعلاً أن نغيث الإنسان في ورطته إذا كنا نصر على أن تصورنا للإنسان ينبغي أن يصاغ على نمط نموذج الآلة، أو نموذج الجرم' أي: إما الميكانيكية: وهي النظرية البحتة التي تجعل الإنسان كالآلة، وإما النظرية الحيوانية، التي تجعل الفأر، أو الأرنب، أو الكلب، أو أي حيوان آخر؛ هو النموذج التي تقاس عليه الدوافع والسلوك الإنساني.
ويقول الكاتبان: 'لو كان الإنسان مجرد كائنٍ مادي -كما تزعم النظرة القديمة- لو كان كذلك لكان من المعقول أن نتخذ أشياء مادية أبسط كالآلات نماذج للسلوك البشري، فلكل آلةٍ دافعةٌ تشغلها كالبخار، أو الكهرباء، أو الاحتراق الداخلي -مثل السيارة لها احتراق داخلي- وعلى ذلك كان أهم عنصر في الإنسان وفقاً لعلم النفس في النظرة القديمة هو قوته الدافعة' أي: الغريزة في عمومها، أم غريزة معينة كما تصور فرويد، أو أي أمر آخر.
ويقول: 'والقوة المادية في الآلة الإنسانية تتخذ شكل غرائز وانفعالات هي مصدر جميع الأعمال التي يقوم بها الإنسان، أما العقل فلا يملك زمام الأمر؛ لأنه نتاج ثانويٌ للمادة -فبعد أن يتحدث عن فساد هذه النظرة، قال:- في أعقاب الحرب العالمية الثانية شعر كثير من علماء النفس أن إخضاع العقل للغريزة في طريقة التحليل النفسي وإلغاء العقل -كما هو الحال في السلوكية- قد أفضيا إلى تجريد الإنسان من إنسانيته في علم النفس، معتبرين أن هذا موقفاً لا يطاق في فرع من فروع المعرفة مكرسًا لخدمة الجنس البشري'.
وقد عبر عن ذلك ركس كارل، وليكون نيوث في كتابه: مصير الإنسان، قال: 'إن الجبهة المادية من الحضارة تتقدم، وأما الجبهة الإنسانية فإنها في تأخر وتقهقر وتراجع كبير -ويقول:- وأخيراً التحمت في الخمسينيات من هذا القرن قوة ثالثة في علم النفس إلى جانب القوتين الأخريين: التحليل النفسي والسلوكية، هذه الحركة أتباعها لا يتكلمون بصوت واحد، ولا يشكلون مدرسةً فكرية مستقلة، ولاهم متخصصون في أي مجال ذي مضمون محدد' أي: بدأنا نرجع إلى مسألة التوحد، فالتفرق الشديد يرجعهم في النهاية إلى الوحدة، إذاً القضية أصلها التوحيد، فهم يتشعبون ثم يرجعون إلى شيء واحد، وهم مختلفون جداً، ولكن يقول: 'إن كل ما يجمع بينهم هو الهدف المشترك المتمثل في أنسنة علم النفس' أي: أن يصبح علم النفس علماً إنسانياً، فهو إلى الآن ليس إنسانياً بل حيوانياً أو آلياً، وبناءً عليه فكل النظريات التربوية تدرس الإنسان من زاوية الآلة أو الحيوان.
ثم يقول: 'وفي اجتماع وطني للرابطة الأمريكية لعلم النفس، عقد في (١٩٧١م)، قررت هذه الحركة الجديدة أن تطلق على نفسها اسم: علم النفس الإنساني' فانظر متى اكتشف الغرب أنه لا يملك علم نفس إنسانياً، ولا رابطة لعلم النفس الإنساني، وأنه في حاجة أن يتخلص من الورطة -كما يعبرون- وأن يبحث في ضوء جديد وعلم جديد، عرفوا ذلك عام (١٩٧١م).