وعلق على تلك النظريات العلماء -علماؤهم الآن- وقالوا: هذا كلامٌ مضحك، لأنهم اكتشفوا أن هناك موادَّ غير محسوسة، واكتشاف أن الذرة ليست أصغر شيء في الكون، وإنما الذرة عبارة عن: نواة ويدور حولها إلكترونات سالبة وبروتونات موجبة، عالم غريب جداً، إنهم يتكلمون عن الطاقة والحركة، وهي أمور غيبية والقضية الآن هي في عالم الغيب، فلم يعد الكلام عن الملائكة، ولا عن الجنة، ولا عن النار، ولا عن ذات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بل الآن عالم الغيب بالنسبة لهم هي هذه المادة، فهم يبحثون عن سرها وتركيبها وتكويناتها، بل يقولون: لو أخذت أي جزيء من هذه الجزيئات في أي شيء وكبرته تكبيراً كبيراً جداً، لوجدت نفسك ترى فراغات هائلة ولا ترى المادة، فدفعتهم هذه الاكتشافات للعودة مرة أخرى للإيمان بالغيب من جهة أخرى.
فالطلاب في كلية العلوم وغيرها يدرسون النواة، والذرة، والإلكترونات السالبة والبروتونات الموجبة، فيؤمنون بها دون أن يروها أو يحسوها، إذاً: فالقضية أصبحت قضية إيمان بالغيب، وإن كانوا في الأصل هربوا منه، لكن الفطرة أعادتهم.
وهناك حقيقة لاشك فيها، وهي: أن ترك التوحيد هو وراء كل انحسار لأي مذهب من المذاهب.
ونذكر قصة للرئيس الأمريكي جورج بوش، عندما كان سفيراً لدولته في الصين -في الحقيقة أنه كان جاسوساً كما يبدو- وكما عبر في كتاب التطلع إلى الأمام، فذكر قصة طريفة في كتابه الذي صدر حديثاً يقول في (ص١٩٥) معبراً عن لقائه هو وكيسنجر، وووستن لورد مع ماوتسي تونغ -الزعيم الشيوعي الكبير- بعد أن ضعف وأصبح صنماً مهترئاً لا قيمة له، ولكن الصينيين يقدسونه ويعبدونه، حتى إنه كان لا يتكلم إلا بإشارات خفيفة , وتتقطع منه الكلمات من كبر سنه، يقول بوش عن ذلك اللقاء: 'مع مرور وقت الاجتماع ظهر أن ماو أصبح أقوى وأكثر تيقظاً، أشار بيديه مراراً، وحرك رأسه من ناحيةٍ إلى أخرى، وظهر بأن الحديث يحفزه' أي: ينشط مع انفعالات الحديث مع أنه لا يقدر أن يتكلم ولا يعبر، قال: 'واستمر يشير في أحاديثه إلى الله' هذا ماو، والراوي جورج بوش فالسند عالي!! يقول: 'إذ علق مرةً قائلاً، لـ كيسنجر وبوش: إن الله يبارككم ولا يباركنا، إن الله لا يحبني لأنني قائد عسكري وشيوعي -يقول عن نفسه- كلا إنه لا يحبني، إنه يحبكم أنتم الثلاثة، وأشار برأسه إلى كيسنجر، وووستن لورد، وإليَّ' هكذا يقول الرئيس بوش عن ماو الذي كان في تلك الأيام، في عالمنا الإسلامي، بل في جزيرة العرب هنا وفي إحدى الدول التي قدّر لنا أن نذهب في رحلة جامعية إليها تخرج مظاهرة، ويقولون: لا إسلام بعد اليوم، ماو رب الكادحين -تعالى الله عما يقولون! - هذا المسكين الذي يحاول أن يعبر لـ بوش أنكم طيبون أنتم يا أمريكان لأنكم نصارى، أما هو يقول عن نفسه: إنه شيوعي فلن يباركه الله! ونحن نعرف أنه لا بارك لا في بوش ولا ماو، ولكن بالنسبة لـ ماو يعتذر لـ بوش أنه صاحب دين فهو خير منه، فهذا هو قائد نصف العالم الشيوعي في زمنه، وهذا تعبيره، وهذه حسرته، حسرة الكافرين في الدنيا، فما بالكم بحسرتهم يوم القيامة، بين يدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى! هذا التحسر على هذا العمر الذي ضاع على نظريات قتل من أجلها الملايين في الصين وفي الاتحاد السوفيتي وخاصة من المسلمين، قتلوا من أجل هذه النظريات، ثم تكون النتيجة بعد هذه التضحيات، وبعد إهدار الطاقات، وبعد الجهود الكبرى تكون النتيجة والنهاية أن هذا الزعيم يتحسر ويتمنى، كما قال الله عنهم:{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ}[الحجر:٢] الله أكبر!! سبحان الله! كيف تستيقظ الفطرة ويستيقظ نداؤها؟!