[كتاب قوة الانتشار السريع وتوقعاته للأحداث]
ولكي نأتي ببعض الأدلة على هذا ولكي يتضح الواقع بالبينات المقروءة حسياً، فهذا كتاب من الكتب قوة الانتشار السريع والتدخل العسكري الأمريكي في الخليج الذي صدر سنة (١٩٨٣م- ١٤٠٣هـ) أقرأ لكم بعض الإثباتات منه.
وهذا الكتاب عبارة عن تقرير أُعدِّ ونُشِرَ في مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية، وهو تقرير أمني، ومع ذلك نشر وترجم إلى اللغة العربية، وصدر وطبع عام (١٤٠٣هـ) كما ذكرنا.
يبدأ التقرير بذكر التهديدات التي يُمكن أن تجتاح منطقة الخليج، وذكر ثلاثة منها: أولاً: عدوان سوفييتي مباشر على المنطقة كما حدث في أفغانستان.
ثانياً: العدوان بواسطة قوات إقليمية أخرى ضد دولة منتجة للنفط.
ثالثاً: الإرهاب أو التمرد أو الثورة داخل الدول المنتجة للنفط.
لكن التقرير -نفسه- يستبعد الاحتمال الأول، ويقول: إن الاتحاد السوفيتي لم ولن يفعل ذلك.
وقد تأكد ذلك بعد الوفاق الدولي الذي تم في أيام جورباتشوف.
أما الاحتمال الثاني: وهو القوة الإقليمية فهو الذي ركز عليه كثيراً في هذا التقرير.
يقول التقرير: إن إمكانية بروز العراق كقوة عسكرية مهيمنة على شبه الجزيرة العربية يشكل تهديداً محتملاً وتحدياً عسكرياً لمصالح الولايات المتحدة في الخليج، واحتمال وقوع هجوم عراقي على الكويت أو العربية السعودية، احتمال يستحق اهتماماً خاصاً للأسباب الآتية:- أولاً: كان هذا الاحتمال وارداً حتى قبل الحرب العراقية الإيرانية، ومؤثراً على التخطيط للقوات الأمريكية اللازمة لمواجهة احتمالات خارج دائرة اختصاص حلف شمال الأطلسي.
ثانياً: القوات المسلحة العراقية ذات التسليح السوفيتي هي الأكبر بين القوات المسلحة لـ دول الخليج.
ثالثاً: كون حقول النفط الرئيسية في الكويت والسعودية قريبة -نسبياً- من الحدود الجنوبية للعراق.
ثم يُذَكَّر أنه قد حاول العراق غزو الكويت في عام (١٩٦١ - ١٣٨١هـ) ولم يردعه إلا القوات البريطانية وقوات الجامعة العربية.
ويقول التقرير: هذه العداوات تُشكل عامل تفجير محتمل في المنطقة -خصوصاً- إذا أخذنا في الاعتبار الضعف العسكري النسبي لجيران العراق.
ثم يقول أيضاً: لا جدال في أن استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية لصالح دولة مهددة من قِبَلِ العراق ينبغي أن يستند إلى طلب أكيد للمساعدة من جانب الدولة المهددة؛ إلا أن المشكلة تكمن فيما إذا كان من الممكن ورود مثل هذا الطلب قبل أن يبدأ القتال؛ لأن وصول القوات الأمريكية المقاتلة قبل الحرب -إلى أراضي الكويت والسعودية - سوف يُعرض شرعية حكومتيهما للشبهة في أعين شعبيهما وفي أعين العالم العربي ككل، ناهيك عن أن مثل هذا العمل قد يُتَّخذ ذريعة لوقوع الغزو الذي جاءت هذه القوات لمنعه.
ثم يقول التقرير بعد ذلك: إن الحساسيه السياسية التي تشعر بها الدول التي يمكن أن تكون دولاً مضيفة تجاه أي وجود عسكري أمريكي -دائم- على أراضيها أمر مفهوم؛ لإن مثل هذا الوجود سيكون بمثابة إثبات لصحة الانتقادات التي يوجهها الثوريون العرب إلى دول الخليج المحافظة عن التزلف للإمبرياليين، ومن ثم زيادة الاضطراب الداخلي الذي يشكل أهم التهديدات المحتملة.
ثم يؤكد على أن العديد من دول الخليج مازالت تعتبر دعم الولايات المتحدة لإسرائيل أكثر تهديداً لأمن العالم العربي، مما يُؤدِّي إلى احتمال ظهور أفغانستان أخرى في شبه الجزيرة العربية؛ بل وإن بعضها يشك في نوايا في الولايات المتحدة، ويرى أنها طامعة في حقول النفط في الجزيرة، ويذكر التقرير أمثلة على ذلك قائلاً: يبدو هذا الشك واضحاً في التصريح التالي للشيخ صباح الأحمد الصباح وزير خارجية الكويت؛ ثم ذكر تصريحين: الأول: للسفير الكويتي في أمريكا، والثاني: لـ صباح الأحمد الصباح وزير خارجية الكويت هذا قبل عشر سنوات من الموضوع- عندما عرضت أمريكا عليه إفساح المجال لإعطاء تسهيلات في المنطقة، وخوفهم من أن العراق سوف يهاجم الكويت.
فكان جواب وزير خارجية الكويت يقول: الدفاع عنا ضد من؟! من الذي يحتلنا؟! إننا لم نسأل أحداً أن يدافع عنا، ورغم ذلك نجد كل هذه السفن حولنا تطلب تسهيلات إن المسألةً -كلها- تبدو وكأنها جزءٌ من فيلم لمخرجين اثنين هي (روسيا والولايات المتحدة) ولكن كيف ستكون نهاية هذا الفيلم؟ ربما باتفاق القوتين العظميين على أن يقولوا هذا النفط لنا، وتلك لكم، وسوف نقسم المنطقة من هنا إلى هناك.
وعن ذلك أجاب السفير الكويتي بهذا القول عندما قيل له: العراق قد تهاجمكم، قال: لن تهاجم إخوانها.
فقيل: قد يقوم ضدكم بعض المقيمين من بعض الشعوب في الكويت؟ قال: هؤلاء إخواننا ونشأوا في عطفنا وفي رعايتنا، ولا يمكن أن يكونوا علينا؛ ولكن أنتم بصدد إخراج فيلم، وسوف تخرجونه إن طلبنا وإن لم نطلب.
والعجيب! أن الفيلم كان قد أعد -فعلاً- وبالتقرير -أيضاً- ما يدل على ذلك وليس غريباً، بل مذكور أنهم عمدوا إلى أنواع من الإجراءات -كما يسمونها: السيناريو- (بدائل) عن كيف يمكن أن يكون الإخراج، وكيف يمكن أن تكون العملية؟؟!! فقد ذكر التقرير ص (١٤٣) [في عديد من سيناريوهات الطوارئ المحتملة في العالم الثالث أنه: سيكون على سلاح مشاة البحرية أن يواجه عدواً متفوقاً بالعدد والعدة، وربما كانت قوته بالعدة نوعياً وكمياً معاً.
فعلى سبيل المثال: إذا تصورنا إمكانية تدخل سلاح مشاة البحرية لمساعدة السعودية ضد هجوم عراقي، فسنجد أننا بإزاء جيش عراقي مؤلف من (١٨٠ ألف) مقاتل -هذا ما ذكروه قبل هذه السنوات- مقابل جيش سعودي مكون من (٨٠ ألف) فقط بما في ذلك الحرس الوطني السعودي، وأن الجيش العراقي يضم أربع فرق مدرعة وفرقتين ميكانيكتين ومن ضمن معداته دبابات ( emx) ثلاثين، والعربات المدرعة ( bmb) وراجمات صواريخ متعددة الأنابيب، إلى آخره، وأن الجيش تسانده قوة جوية مكونه من (٣٣٩) طائرة قتال من بينها طائرات (ميج٢٣ وسوخوي ٢٠، وميراج ف١) بينما نجد أن ما لدى السعودية من معدات حديثة أقل بكثير مما لدى العراق، وقد تكون فعالياتها العملياتية أقل أيضاً].
ذكر هذا -كما قلنا- منذ عشر سنوات، ثم لم يبق الأمر عند ذلك.