هناك نوع آخر لم يعترضوا على ذلك، وإنما جاء اعتراضهم من باب آخر، ولا سيما في زماننا هذا، وهم الذين اعترضوا على الشرع، وعلى ما قضى الله تبارك وتعالى به قضاءً شرعياً، وعلى أحكام الله التي جعلها لعباده من الحل، والحرمة، والوجوب، والتحريم، والندب، وغير ذلك، مما يشمل أحوال الناس، ومعاملاتهم وشئونهم في هذه الحياة الدنيا.
فجاء هؤلاء القوم واعترضوا على هذه الأحكام وعلى هذه الشريعة بالقوانين الوضعية، وربما اعترضوا عليه بالآراء والعادات الجاهلية -كحال أهل البوادي وأمثالها- فحكموا الطواغيت أو ما أشبه ذلك، فكل هذا اعتراض على شرع الله، وحكمه الشرعي الديني، وهذا خطير جداً، وهو يدخل أيضاً في الاعتراض أو يلحق بالاعتراض على أصل معرفة الله، ويلحق به ويليه بالدرجة من جهة أنه كفر بالله تبارك وتعالى.
كمن يعترض على ما شرع الله عز وجل في حد الزنا -وهو الرجم للزاني إن كان محصناً، أو الجلد إن كان غير ذلك، بشروطه المعروفة -فيلغي ذلك، وينسخه، ويجعل مكان الجلد التحميم، كما فعل اليهود، أو يلغي الجلد أيضاً، ويجعل مكان ذلك كله الحبس أو الغرامة، كما في القوانين الوضعية التي تحكم أكثر العالم الإسلامي اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ويعترضون على حكم الله تبارك وتعالى الذي قال فيه:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا}[البقرة:٢٧٥]، فيجعلون الربا حلالاً، ويستحلونه ويضعون له الأحكام الطويلة، ويشرعون كيفية إباحته، فيحددون نسبته وآجالاً معينة لها، ويجعلون له ألواناً وأشكالاً من الأخذ والعطاء، والدفع، والاحتيال، بل والاستحلال لدين الله تبارك وتعالى وتقوم على هذه التشريعات الوضعية المنافية لكتاب الله وسنة رسوله صروح وأعمدة للاقتصاد الوطني أو العالمي كما هو ملاحظ الآن.
فهذا -أيضاً- اعتراض على الله تبارك وتعالى فيما شرع من أحكام، ولا يشك عاقل أن الربا من أخطر ما يرتكب من الذنوب، كما بين ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله:{الربا سبعون باباً أيسرها كأن ينكح الرجل أمه}، وفي الحديث الآخر:{درهم رباً أشد من ست وثلاثين زنية}، والعياذ بالله، والله تبارك وتعالى قد تأذن عليهم بالحرب:{فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[البقرة:٢٧٩]، يقول شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله: 'إن الربا من آخر ما نزل، وقد توعد الله تبارك وتعالى بالحرب ثقيفاً وغيرها من القبائل لما أرادت أن لا تحرم الربا، فكانت العقوبة أن يحاربها رسول الله' فالمقصود أن من أحله، وشرَّع تحليله، فهو معترض على الله تعالى في ذلك.
وأسوأ منه الذي يجاهر ويقول: الذي شرعه الله لا يصلح أن يكون للحياة الحديثة، أو للاقتصاد الحديث، أو إننا في هذه الأيام لا بد أن نأخذ بالتشريعات المنافية، والمخالفة لما جاء في القرآن، فهذا -والعياذ بالله- معترض على الله تبارك وتعالى اعتراضاً واضحاً بيناً جلياً، فلا حظَّ له في الإيمان وليس داخلاً في الذين ذكرنا درجاتهم، لأنه كما ذكر الله تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[النساء:٦٥].
فهذا لم يحكِّم أصلاً، فضلاً عن نفي الحرج، أو التسليم، ولذلك فهو غير مؤمن -نسأل الله العفو والعافية- ويقاس على ذلك أشياء كثيرة، كحد السرقة مثلاً، وحد الردة وغير ذلك.