من ذلك أيضاً: الاعتراض على حكمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن لم يكن فيه اعتراض على حكمة الله كما فعل الخارجي -أصل الخوارج الذي خرجوا من ضئضئه- عندما حكم رسول الله وقسم الغنائم فقال:{إعدل يا محمد!} نعوذ بالله من ذلك، فاعترض هذا الخارجي على الحكمة النبوية، ورأى أن هواه وأن رأيه وأن عقله أصوب في هذا الشأن، وأنه يجب أن تكون القسمة بالمساواة أو أن يعطى الناس بحسب إيمانهم، فالمؤمنون العظماء يأخذون الألوف، ومن دونهم يأخذون المئات، والأقل إيماناً يأخذون الأقل من الإبل والأنعام، ولكن من حكمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهي بوحي من الله- أن يعطي الأعراب، وأن يعطي المؤلفة قلوبهم، وأن يعطي حديثي العهد بالإسلام، وأما أولئك فكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{يكلهم إلى إيمانهم} هؤلاء مؤمنون، ورغبتهم إلى ما عند الله، ورغبتهم في الجنة، منذ أن بايعوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم العقبة فقالوا:{فما لنا يا رسول الله إن نحن فعلنا؟ قال: لكم الجنة، قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل} وهؤلاء المهاجرون أعظم من ذلك، هؤلاء لا يريدون الدنيا ومتاعها، ولا يبالون أُعطوا أم لم يُعطوا، أما أولئك فإذا أُعطوا آمنوا فآمنت بعدهم قبائل وأمم، وإن لم يُعطوا كفروا فتكفر بكفرهم قبائل وأمم.
فالحكمة واضحة جلية، ومع ذلك اعترضوا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا، ويجب أن نعلم أن الاعتراض كما يقول ابن القيم رحمه الله: ' هذه الاعتراضات وأمثالها سارية في جميع الخلق، قل من ينجو من نوع من أنواع الاعتراض على الله، أو على دين الله، أو على شرعه، أو على أخباره، أو على أحكامه' قلَّ من ينجو من ذلك، ومن نجى من ذلك وحقق درجة التسليم المطلق، بلا معارضة، ولا ممانعة، فعليه أن يحمد الله على هذا، ويجعله امتحاناً واختباراً لإيمانه، فالأمثلة التي ذكرناها إنما هي إشارات، وإلا فداء الاعتراض داء عظيم، وقليل من خلق الله هم حقاً من ذاقوا طعم الإيمان، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولاً}.
جعلني الله والمسلمين من الراضين، ومن هؤلاء المصطفين الأخيار، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.